الرئيسية / أقلام الحقيقة / رسالة خديجة المغتصبة.. « العدالة » أحرقتني !

رسالة خديجة المغتصبة.. « العدالة » أحرقتني !

أقلام الحقيقة قصاصات نبض المجتمع
مـــــريــــة مــــكريـــم 12 أغسطس 2016 - 16:54
A+ / A-

قررت أن أحرق ذاتي وعمري لا يربو عن 17 ربيعا .. إنها قذرة.. نجسة.. أشعر أنني متسخة.. أنا المذنبة.. أنا التي وٌجدت في طريق ثمانية « رجال ».. ثمانية « ذكور ».. ثمانية « فحول » لديهم كل الحق أن يعرونني، وأن يستبيحوا جسدي، وأن ينتهكوا حرمتي ويستمتعوا بتعذيبي وهم يلتقطون واحدة من أبشع وأفظع مشاهد الاغتصاب و »البورنو » في المغرب !

أنا المخطئة.. أنا التي اشكتيت وطالبت باعتقال من تلذذ في إيذائي.. اعتقدت أن من حقي ولوج العدالة من شتى أبوابها لإنصافي.. أنا التي صدقت أن وزيرا للعدل والحريات قيل لي أنه غيرهم، لا يشبه كل وزراء العدل الذين سبقوه، وأنه سيضع لبنات قانونية ستنصفني كإمرأة مغتصبة.. أنا المدنسة التي طرقت باب العدالة، والتمست أن يوقفوا من اغتصبوني وسخروا وتهكموا عليّ.

أستحق ما حدث لي، فأنا المرأة، الضلع الأعوج، المرأة الغاوية والمرأة الشيطان.. أنا « المرة حشاكم ».. أنا كل هذا في المخيال والموروث الشعبي، الذي لازال في القرن الواحد والعشرين يؤثت المشهد السمعي البصري، وينتقل كلوثة في الخطاب السياسي..  أنا للأسف « الثريا » التي بمجرد ما خرجت الدار ما عادت « ثريا ».. انطفأ الضوء وعرضت نفسي للاغتصاب والسخرية والابتزاز..

أنا كل هذا وأكثر.. « الرجال » غادروا ساحة العدالة وحصل أغلبهم على البراءة من تهم اعترفوا بها وأطلق سراح البقية بعد أشهر معدودة، بعدما بصموا صفحة سوداء في تاريخي.. أتوقع أن أمثالي كثيرات من ضحايا الاغتصاب .. هل كان عليّ أن أنكمش؟ أن ألعق جراحي وأقبل بالوضع المٌر، أن أجبن وأخضع لابتزاز مغتصبي، الذين باتوا يخيرونني بعد إطلاق سراحهم، بين مضاجعتهم وبين نشر فيديو يكشف عن « مجزرة الاغتصاب الجماعي »؟

ترددت قبل أن أفاتح والدتي هل أخبرها أنني اغتصبت من طرف عدة « ذكور »؟ هل أحمل أسرتي ثقل الإشارات إياها ووصم العار اياه؟ وأخيرا أقدمت على الخطوة، وبلغت عن المغتصبين، لكنني لم أكن أتوقع أن أتحول إلى مذنبة وأن يتحول المغتصبون إلى أحرار يهددوني كأية مجرمة !

هل كان عليّ أن أحرق نفسي؟! وهل أنا من قام بالفعل؟ نعم كان عليّ أن أفعل ! أحرقت نفسي، لأنكم أنتم من صب بنزين الظلم ورمى بعود ثقاب الغبن ! أحرقت نفسي لأغسل العار الذي لحق بي، لأتخلص من نظرات الجيران وقهقهات الجارة وسخرية المارة..

لم أطمع في الكثير، فقط متابعة الجناة وردا للاعتبار، أتساءل لو كنت ابنة أحدهم من كبار هذا البلد، هل كان سيحظى الذين اغتصبوني بنفس التعامل؟ وهل كان سينتهي بي الأمر من دون تعليم ومن دون مستقبل ومن دون بوصلة؟ قيل لي إن رياح الربيع العربي حملت قارب حكومة تحارب الفساد وتنصف المظلوم، في بلد أزهرت فيه بعض من ورود العدالة بعد السنوات إياها، فأية عدالة هاته التي تحرقني بنار الظلم وتقهر المغتصب؟

قد يقولون إنني مشردة .. قد يدفعون بأن لي سابقة التشرد وأنني انقطعت عن الدراسة مبكرا.. سيقولون أنني تلميذة فاشلة، وأنني لست النموذج الذي يحتدى به.. سينبشون في الماضي وفي الملفات وفي دفاتر طفلة تظافرت كل العوامل لتكون فاشلة.. فليكن ذلك، لكن من المسؤول عن فقري وفشلي وتهميشي؟ وإذا كنت طفلة فاشلة، هل يبرر ذلك أن تبرأ محكمة الاستئناف من اعترف باغتصابي جماعة؟

أردت أن أترك رسالتي هاته لأذكركم مثلما فعلت امينة الفيلالي وهي تتجرع سم الفئران بعد ان زوجتمونها من مغتصبها، ان اطلاق سراح الذين اغتصبوني، احرقني الف مرة، قبل أن أشعل عود ثقاب..

تابعت من قبري نبأ اعتقال الذين اغتصبوني بعد أن أحرقت نفسي..  أتساءل لماذا أطلق سراحهم وأنا حية؟ لماذا لم تحتضني، بعد اغتصابي، أي من بنيات الاستقبال التابعة للدولة.. لماذا لم يحمني القانون ولم أحظ بعناية أطباء نفسيين، ولا وجدت في طريقي شروطا للاندماج ؟ اي قانون هذا الذي يحتقر المغتصبة ويحملها وزر الاغتصاب، هذا في الوقت الذي تابعنا فيه كيف يكون القانون صارما مع المتحرشين في مجموعة من الدول، فأحرى حينما يتعلق الأمر بالاغتصاب.
إن موتي واحتراقي وصرختي أكبر من أن تجيبوا عنها باعتقال المغتصبين الثمانية.. فإذا لم يتوقف نزيف هدر الكرامة وتعطيل العدالة، ستظهر خديجة أخرى مثلما كانت قبلي أمينة وخديجات ثم امينات..
قبل أن أخرس إلى الأبد وأن أترك البعض ينهش في فشلي وماضيّ، لدي سؤال يؤرقني: كيف أطلق سراح الذين اغتصبوني؟ كيف حصلوا على البراءة وقد وقعوا على اعترافات تدينهم؟ أجيبوني وسأرقد في سلام.. لا أطلب شفقة، أنا أبحث عن الحقيقة، فبعد أن أحرقت نفسي ما عاد يهمني إن كنت الضحية!

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

حصاد فبراير

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة