كشف القيادي بولمقوس في حواره مع “فبراير” عن تصوره لانشقاقات اليسار المغربي.
لقد ظل تاريخ اليسار المغربي، تاريخ الانقسامات والانشقاقات في كل مؤتمر حزبي معلن عنه، هكذا يعيش الاشتراكي الموحد قبل أيام من تنظيم مؤتمره الوطني الخامس على وقع انشقاق تيار التغيير الديموقراطي، هذا الأخير الذي أوضح في بلاغ له أن مقاطعة المؤتمر تأتي بسبب الاختلالات الجوهرية والتجاوزات القانونية التي شابت عملية الإعداد للمؤتمر، وإلحاح قيادة الحزب بشكل غير ديمقراطي تماما، على رسم معالم المؤتمر، وحسم نتائجه الانتخابية والتنظيمية والفكرية والسياسية مسبقا.
في هذا السياق، تتساءل فبراير مع أحد القيادات الشبابية السابقة في الاشتراكي الموحد وفي مكون تحالف فدرالية اليسار، الباحث في العلوم السياسية أشرف بولمقوس، عن الأسباب الكامنة وراء هذه الانشقاقات داخل اليسار المغربي، خاصة وأن حزب الاشتراكي الموحد اليوم يعرف الانشقاق الثاني بعد انشقاق التيار الوحدوي في أقل من ثلاث سنوات، كما نتساءل مع الباحث، هل هذه الانشقاقات هي نتيجة للإختلافات الفكرية أم كنتيجة لحتميات الشروط الذاتية والموضوعية التي يشتغل فيها اليسار المغربي؟ وماهي السبل والحلول لتجاوز أزمة الانشقاقات هذه؟
-اليسار المغربي يتكيف مع الوضع حتى لا ينتحر سياسيا
صرح أشرف بولمقوس لموقع “فبراير”، أنه وقبل الخوض في أي موضوع يخص اليسار بالمغرب، فلابد من الإشارة إلى كون اليسار المغربي له خصوصيات لا من حيث التطور أو النشأة، تختلف بشكل كبير عن نشأة وتطورات اليسار العالمي أو اليسار بالإقليم سواء شمال إفريقيا أو بعض الحركات اليسارية في الشرق الأوسط.
هنا يمكن الإشارة إلى مسألة أساسية حسب الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، وهو أن اليسار المغربي يعتبر سليل الحركة الوطنية أو حركات التحرر الوطني بالمنطقة، وهو بذلك يختلف عن نشأة اليسار بأروبا وكذا عن نشأة الأحزاب السياسية سواء بأروبا أو بمناطق أخرى من العالم وبمنطقة شمال إفريقيا.
من جهة أخرى أشار أشرف بولمقوس، إلى أن اليسار المغربي ظلت له خصوصيته حتى على المستوى الإقليمي، حيث أن اليسار المغربي نشأ وتطور في ظل دولة كان انتماؤها واضحا إبان الحرب الباردة بالإنتماء إلى المعسكر الغربي، وبالتالي فاليسار المغربي ظل يشتغل وفقا للحتميات وفي هامش يفرضه هذا الإيقاع المرتبط بالسياق الدولي والإقليمي والدولي.
من جهة ثالثة، وحسب الباحث في العلوم السياسية، فاليسار المغربي ظل يشتغل في إطار يختلف من الناحية الدستورية عن اليسار حتى في المنطقة، فهو يسار يشتغل في نظام ملكي وله طبيعة خاصة، أي في إطار إمارة المؤمنين والوحدة الترابية والدين الإسلامي.
وكنتيجة لهذه الوضعيات الدولية أو الإقليمية أو الوطنية التي يشتغل فيها اليسار المغربي، فقد تحتم عليه حسب الباحث، أن يتكيف مع مجموعة من الوضعيات حتى ينتج مواقف تبقيه “حيا” كي لا ينتحر سياسيا، وأن يتقدم بمشروع يمكن من خلاله أن يساهم في تدبير الشأن العام أو يساهم في الحكم من خلال المشاركة في الحكومة أو غيره…
-تجربة التيارات اليسارية داخل المكون الواحد عبرت عن فشلها
يقول بولمقوس، أن أبرز ثمار هذه المشاركة هي تجربة التناوب 1998 مع الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لكن إلى جانب ذلك، برز ما يعرف باليسار الجديد والذي عرف بدوره مجموعة من الانشقاقات “كنخدم الشعب” و”إلى الأمام” و”النهج الديموقراطي”، ثم تجربة فيدرالية اليسار التي تعتبر سياق تجميع شتات مجموعة من المكونات اليسارية ك”منظمة العمل الشعبي” و”الوفاء إلى الديموقراطية”، بالإضافة إلى المؤتمر الوطني والطليعة الاشتراكي.
هذه التجارب حسب الباحث تعبر عن الانقسامات كواقع لليسار، لكن الأهم هو الإجابة التي قدمها اليسار عن هذه الانقسامات والانشقاقات، والتي تجلت في تجربة الاشتراكي الموحد، والتي كانت تجربة تجميع لليسار، فحسب الباحث في العلوم السياسية في فترة من الفترات أضحى هم اليسار هو تحقيق الوحدة، حيث كانت الانقسامات والانشقاقات داء ينخر الجسم اليساري.
بالعودة إلى تجربة الاشتراكي الموحد، فيؤكد بولمقوس أن الحزب قدم مسألة التيارات كدواء للانشقاقات، غير أن النتيجة كانت انعكاسية بفشل التيارات كدواء للانشقاقات، والدليل أن الحزب الاشتراكي الموحد بقي وحيدا وباقي المكونات أكملت تجربة فدرالية اليسار، بما في ذلك التيار الوحدوي.
وأضاف الباحث في معرض إجابته عن استمرارية انقسامات اليسار، أنه وبغض النظر عن الأمور الذاتية المرتبطة بالزعامات سنجد أن الحتميات التي يشتغل فيها اليسار هي نفسها الأسباب لهذه الانقسامات، وعلى سبيل المثال لا الحصر الموقف من الوحدة الوطنية والإنتخابات والقضايا ذات الراهنية كالتصويت على الدستور، وهذه كلها عناصر كانت تؤدي باليسار إلى الانشقاق والانقسام.
وشدد الباحث على أن هذه الانقسامات والانشقاقات ستؤدي إلى إضعاف المشروع اليساري على الأقل على مستوى الانتخابات، مؤكدا أن النتيجة تبين أن أحزاب اليسار أضحت تعيش مرحلة من الجمود، كنتيجة لظهور حزب ذو قوة إجتماعية وازنة وهو التيار الإسلامي، ما جعل اليسار بدون مشروع سياسي واجتماعي وفكري مغري للمواطن المغربي.
اليسار تجاوز أزمة المشروع واندحر لأزمة الخطاب
هذا الأمر جعلنا أمام أزمة المشروع الفكري لليسار، حسب الباحث، حيث أنه وإذا ما قمنا بقراءة بسيطة للمشروع الفكري لليسار، سنجد أنه من الشبه مستحيل الحصول على مشروع سياسي لليسار كنتيجة للإختلاف والتباين الحاصل بين مكونات الكتلة اليسارية، فهناك مجموعة من المشاريع السياسية التي تختلف عن بعضها البعض.
والنتيجة حسب بولمقوس، هو وصولنا إلى أزمة خطاب اليسار المغربي كبديل عن خطاب اليسار المغربي، حيث أن القوى اليسارية وإن حاولت تقديم نفسها كخط ثالث خارج تيار الإسلاميين” و”الليبراليين” في الثنائية التي عرفها المغرب، فقد ظل اليسار يعيش حالة من الضعف، وكمثال هو الصراعات الداخلية التي ظل اليسار يعيشها، حيث وصلنا لتسعة أحزاب يسارية لا قوة انتخابية لها.
الحصيلة حسب بولمقوس كانت هي أن التيار السياسي اليساري أضحى فاقدا لأي تأثير سياسي أو إيديولوجي، حتى الخطاب الاجتماعي الذي كان يميز اليسار والذي كان المغرب في حاجة إليه لم يعد اليسار ينتجه في ظل توجه المغرب نحو مفهوم الدولة الاجتماعية، وبذلك أصبح اليسار خارج دائرة الصراع حول السلطة أو المنافسة للمشاركة في السلطة كتعبير دقيق.
هكذا أصبح الحضور اليساري خافتا ولايثير أي إنتباه وهو ما عكسته انتخابات 2016، وانتخابات 2021، كنتيجة لعدم الانتباه لمفهوم يسار القرن 21 والذي قد يجعل من المشروع اليساري مشروعا مثيرا للانتباه، أو يغري فئة من المواطنين، خصوصا في ظل تراجع عمل الوقت الثالث أو العمل التطوعي والسياسي إلى غير ذلك.