في تقرير صادم كشف عنه بنك المغرب في تقريره السنوي لعام 2023، تبين أن القطاع الفلاحي المغربي يواجه أزمة حقيقية تتجلى في فقدان ما يقارب مليون منصب شغل منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر في عام 2008.
هذه الأرقام تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل القطاع الذي طالما اعتبر العمود الفقري للاقتصاد المغربي.
وفقاً للتقرير، شهد القطاع الفلاحي انخفاضاً حاداً في حصته من إجمالي التشغيل، حيث تراجعت من 38% إلى أقل من 28% في العام الماضي. هذا التراجع لم يكن مفاجئاً، بل كان نتيجة لعملية تآكل مستمرة على مدى السنوات الماضية. فخلال الفترة من 2008 إلى 2017، كان القطاع يخسر في المتوسط 15 ألف منصب شغل سنوياً. ولكن الأمر ازداد سوءاً في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت الخسائر إلى 136 ألف منصب بين عامي 2018 و2023.
يعزو بنك المغرب هذا التراجع الحاد إلى عدة عوامل، يأتي في مقدمتها التغير المناخي. فظاهرة الاحتباس الحراري أدت إلى تعاقب سنوات الجفاف وتفاقم الإجهاد المائي، مما أثر سلباً على الإنتاج الزراعي وبالتالي على فرص العمل في القطاع.
من جانب آخر، يشير التقرير إلى أن التحديث التكنولوجي للقطاع قد ساهم أيضاً في تقليص فرص العمل. فقد ارتفع عدد الآلات الفلاحية بشكل ملحوظ، حيث زاد عدد الجرارات من 40 ألف إلى 75 ألف، وتضاعف عدد آلات الحصاد من 3 آلاف إلى 7 آلاف بين عامي 2008 و2018.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو النظرة المستقبلية التي يقدمها التقرير. فوفقاً لتوقعات البنك الدولي، قد تؤدي التحولات المناخية بحلول عام 2050 إلى نزوح 1.9 مليون مواطن مغربي، أي ما يعادل 5.4% من إجمالي السكان، من المناطق الريفية إلى المدن.
في ضوء هذه التحديات، يدعو بنك المغرب السلطات إلى تكثيف جهودها في مجال سياسات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية. ويشدد التقرير على أهمية الاعتماد على تقنيات الزراعة الذكية مناخياً، والتي أثبتت فعاليتها في العديد من البلدان.
كما يؤكد البنك على ضرورة تطوير أنشطة ذات مردودية عالية لتوفير فرص عمل بديلة لليد العاملة التي خرجت من القطاع الفلاحي.
إن الأزمة التي يواجهها القطاع الفلاحي المغربي تتطلب استجابة شاملة وعاجلة. فالتحديات المناخية والتكنولوجية تفرض إعادة التفكير في دور هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد الوطني. ومع استمرار فقدان الوظائف بهذا المعدل المقلق، يبدو أن المغرب يقف على مفترق طرق حاسم يتطلب اتخاذ قرارات صعبة ولكنها ضرورية لضمان مستقبل مستدام للقطاع الفلاحي وللاقتصاد المغربي ككل.
