الرئيسية / نبض المجتمع / "اللايك" الأخير للأخلاق.. صراع القيم في عصر السوشيال ميديا

"اللايك" الأخير للأخلاق.. صراع القيم في عصر السوشيال ميديا

التفاهة- القيم- الأخلاق
نبض المجتمع
فريد أزركي 26 أغسطس 2024 - 11:00
A+ / A-

“اللايك” الأخير للأخلاق.. صراع القيم في عصر السوشيال ميديا

تحولت منصات التواصل الاجتماعي من مجرد وسائل للتواصل إلى ساحات معارك فكرية وأخلاقية. هذه الشبكات، التي بدأت كأداة لتقريب المسافات بين البشر، أصبحت الآن مسرحا لصراع القيم وتشكيل الهويات.

فكيف أصبحت هذه المنصات الرقمية سلاحا في معركة القيم المجتمعية؟

تتميز وسائل التواصل الاجتماعي بقدرتها الفائقة على نشر المعلومات بسرعة لم يسبق لها مثيل. هذه السرعة، رغم فوائدها الجمة في التواصل وتبادل المعرفة، تحمل في طياتها “مخاطر جسيمة”، فهي تسمح بانتشار الأفكار الهدامة والشائعات المضللة بنفس السهولة التي تنتشر بها المعلومات القيمة.

وفي خضم هذا التدفق المعلوماتي الهائل، يجد الكثيرون أنفسهم غارقين في بحر من المحتوى السطحي، مما يؤدي إلى تسطيح الفكر وتراجع القدرة على التحليل العميق.

ومع تطور الخوارزميات التي تغذي هذه المنصات، نشأت ظاهرة “الفقاعة المعلوماتية”، حيث يتم تقديم محتوى يتوافق مع اهتمامات المستخدم وآرائه، مما يخلق عالما افتراضيا منعزلا يعزز وجهات نظر معينة ويحجب الآراء المخالفة.

هذه الظاهرة تؤدي إلى تعميق الانقسامات المجتمعية وتقليص فرص الحوار البناء بين مختلف وجهات النظر.

وفي سياق متصل، نشهد صعودا لما يمكن تسميته بـ “ثقافة التفاهة” على هذه المنصات. ففي سباق محموم لجذب الانتباه، يتم تبسيط القضايا المعقدة إلى حد “الدنو”، مما يؤدي إلى فقدان العمق والسياق.

كما ظهرت ثقافة “المشاهير الفوريين” الذين يكتسبون شهرة واسعة دون تقديم قيمة حقيقية، مما يشوه مفاهيم النجاح والإنجاز في أذهان الشباب.

هذه التحولات لها تأثيرات عميقة على النسيج القيمي للمجتمع، فمع انتشار الأفكار المتحررة بسرعة، تجد القيم التقليدية نفسها في موقف دفاعي مستمر.

كما أدى الانفتاح الرقمي إلى إعادة تعريف حدود الخصوصية الشخصية، مما خلق تحديات أخلاقية جديدة. والمفارقة أنه رغم زيادة الترابط الافتراضي، نشهد تراجعًا ملحوظًا في جودة وعمق العلاقات الاجتماعية الحقيقية.

ولعل الأخطر من ذلك هو الاستراتيجيات المتبعة في توظيف هذه المنصات للتأثير على القيم المجتمعية. فهناك حملات منظمة تستهدف الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر تأثرا وقابلية للتشكيل. كما يتم استغلال الميول النفسية في تصميم محتوى أكثر إدمانا وتأثيرا، واستخدام تقنيات تحليل البيانات الضخمة لفهم وتوجيه سلوك المستخدمين بدقة متناهية.

هذه التحولات لها آثار اجتماعية ونفسية عميقة، فقد لوحظ ارتفاع في معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين الشباب، نتيجة المقارنات المستمرة والضغط الاجتماعي الذي تفرضه هذه المنصات، كما أدى الاعتياد على المحتوى السريع والمتقطع إلى صعوبات في التركيز لفترات طويلة، مما يؤثر سلبا على القدرات المعرفية والتعليمية.

ولكن، هل الصورة قاتمة تمامًا؟ بالطبع لا. فهناك حركات مقاومة وحلول واعدة تلوح في الأفق، تتصدر التربية الإعلامية قائمة هذه الحلول، حيث يتم التركيز على تعزيز مهارات التفكير النقدي والتعامل الواعي مع المحتوى الرقمي، كما تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة تصميم المنصات الاجتماعية بطريقة تعزز التفاعل الإيجابي والمحتوى القيم.

وفي مواجهة تحديات العولمة الرقمية، يطفح إلى السطح، دور تعزيز الهوية الثقافية كحصن أخير للقيم المجتمعية، فاستخدام نفس المنصات لنشر وتعزيز القيم الإيجابية والهوية الثقافية يمثل استراتيجية واعدة في هذه المعركة.

كما أن سن التشريعات والقوانين لحماية المستخدمين، خاصة القاصرين منهم، من المحتوى الضار أصبح ضرورة ملحة في ظل هذه التحديات.

وبالنظر إلى المستقبل، نجد أن المشهد سيزداد تعقيدًا مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والافتراضي. هذه التطورات ستفتح آفاقًا جديدة للتفاعل الاجتماعي، لكنها ستجلب معها تحديات أخلاقية غير مسبوقة.

هذاا وتمثل شبكات التواصل الاجتماعي سلاحا ذا حدين في معركة القيم المجتمعية. فبينما تحمل إمكانات هائلة للتواصل والتعلم والتطور، فإنها أيضا تشكل تحديا كبيرا لمنظومة القيم التقليدية، لتبقى المسؤولية على عاتق كل فرد في المجتمع للتعامل بوعي مع هذه التقنيات، وعلى المؤسسات التعليمية لتوفير الأدوات اللازمة للتعامل النقدي مع هذا الواقع الجديد.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة