تشهد الأقاليم الجنوبية للمغرب، وخاصة مدينتي العيون والداخلة، تطورا اقتصاديا “غير مسبوق” في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت الوجهة المفضلة لعدد متزايد من المستثمرين من مختلف بقاع العالم.
هذا التحول يأتي بفضل المشاريع الكبرى الجاري تنفيذها، والتي من المتوقع أن تغير ملامح المنطقة وتدفعها إلى مصاف المراكز الاقتصادية الكبرى في القارة الإفريقية، مما يجعلها بوابة جديدة نحو السوق الإفريقية.
تعد مدينة الداخلة محورا رئيسيا لهذا التحول بفضل مشروع ميناء “الداخلة الأطلسي” الضخم الذي يجري تشييده ليصبح أكبر ميناء للشحن العابر في إفريقيا. هذا الميناء يعزز قدرة المنطقة على استقطاب الاستثمارات الدولية، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى دعم الصناعة المحلية وتطوير قطاعات مثل الطاقات المتجددة والفلاحة.
روبرت يوردزيجيك، رئيس البعثة الاقتصادية البولونية للمغرب، أشار في وقت سابق إلى أن “المنطقة على وشك أن تصبح قطباً اقتصادياً عملاقاً سيكون له أثر إيجابي على ملايين الأشخاص في القارة الإفريقية”.
وأضاف أن البنية التحتية القوية قيد الإنشاء ستدعم مصانع الإنتاج المستقبلية، مما سيساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة.
وإلى جانب الاستثمار في البنية التحتية، تشهد المنطقة اهتماماً متزايداً من الشركات الكبرى التي ترغب في دخول السوق الإفريقية عبر بوابة الأقاليم الجنوبية للمملكة. إحدى هذه الشركات هي “فلاي أغرو” البولندية، المتخصصة في تصنيع الطائرات المروحية الخفيفة، والتي تعتزم توظيف مهندسين مغاربة للعمل في مشاريع بحث وتطوير بمجال الطيران.
وأكد الخبير الاقتصادي إدريس الفينا أن الأقاليم الجنوبية للمغرب، ولا سيما مدينة الداخلة، تشهد معدلات نمو مرتفعة خلال السنوات الأخيرة، موضحا أن هذا النمو يرجع إلى الإمكانات الكبيرة التي تزخر بها المنطقة، من تطور قطاع الفلاحة إلى المشاريع الطموحة في مجال الطاقات النظيفة، مما يجعلها وجهة جاذبة للاستثمار الدولي.
وفي إطار الجهود الرامية لتعزيز الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، تم إطلاق منصة “العيون كونيكت”، وهي مبادرة ممولة من الحكومة الأمريكية بهدف تحفيز الاستثمار والتسويق الترابي في جهة العيون – الساقية الحمراء. تهدف هذه المنصة إلى تسهيل فرص التبادل وإمكانات الاستثمار في مجالات رئيسية مثل الصيد البحري، السياحة، الاقتصاد الأزرق، والطاقات المتجددة.
ومن بين المشاريع التنموية الكبرى التي تجري في المنطقة، مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، أبرز هذه المشاريع، إذ يُتوقع أن يلعب دورا محوريا في تعزيز الاقتصاد البحري في الأقاليم الجنوبية، ويساهم في تدفق السلع ودعم النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه الملك محمد السادس.
الملك شدد في خطاب له بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء على أهمية تطوير اقتصاد بحري حقيقي في هذه الأقاليم، مما يعزز مكانة المغرب كجسر وصل بين أوروبا وإفريقيا. وأضاف الملك أن الميناء الجديد سيكون بمثابة واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي.
وبفضل هذه المشاريع التنموية والاستثمارات الدولية، من المتوقع أن تصبح الأقاليم الجنوبية للمغرب مركزا اقتصاديا عالميا، مما يفتح شهية الشركات الكبرى ويعزز مكانة المغرب كوجهة استثمارية رئيسية في القارة الإفريقية. هذه التحولات الاقتصادية ستساهم بلا شك في تحسين مستوى العيش وتوفير فرص عمل جديدة لأبناء المنطقة، وتدفع عجلة التنمية في المملكة نحو الأمام.