أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غضبا واسعا في المغرب بعد عرضه مجددا، وللمرة الرابعة، خريطة للمملكة تظهر فيها الصحراء المغربية تحت مسمى “الصحراء الغربية”. هذا التصرف، الذي تكرر خلال ندوة صحفية عقدها نتنياهو للدفاع عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، يتناقض بشكل صارخ مع الموقف الرسمي لإسرائيل التي تدعي اعترافها بمغربية الصحراء.
ليست المرة الأولى التي يثير فيها نتنياهو حفيظة المغاربة بعرض خريطة مبتورة لبلادهم، فقد سبق أن ظهرت خريطة مماثلة في مكتبه خلال استقباله لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، كما كرر نفس الفعل في ماي الماضي خلال مقابلة تلفزيونية على قناة فرنسية، مما استدعى تدخل مسؤولين من وزارة الخارجية الإسرائيلية للتبرير والاعتذار.
أثار هذا التكرار غير المبرر لعرض خريطة المملكة منقوصة موجة من “الغضب والاستياء” في الأوساط الرسمية والشعبية المغربية، وقد اعتبر عديد محللين وسياسيين مغاربة أن “هذا التصرف لا يمكن أن يكون مجرد خطأ غير مقصود، بل هو فعل متعمد يهدف إلى الضغط على المغرب أو ابتزازه”.
الدكتور عبد العلي حامي الدين، المتخصص في العلوم السياسية، وصف هذا السلوك بأنه “يصدر عن عقلية تؤمن بالابتزاز والإمعان في استغلال ما تعتبره نقاط ضعف الدول العربية لترسيخ المشروع التوسعي”. من جانبه، اعتبر المحلل السياسي سعيد بركنان أن “تصرف نتنياهو هو رد فعل على الموقف المغربي الواضح والصريح تجاه ما يحدث في غزة من تقتيل وتهجير للفلسطينيين”.
وفي مواجهة هذه التطورات، ظل الموقف الرسمي المغربي ثابتا وحازما. فقد أكد الملك محمد السادس مراراً أن “المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”. كما شدد على أن “سيادة المغرب على كامل أراضيه ثابتة، وغير قابلة للتصرف أو المساومة”.
وقد اعتبر العاهل المغربي أن ملف الصحراء هو “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، وأنه المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. هذا الموقف يضع العلاقات المغربية الإسرائيلية على المحك، خاصة في ظل تكرار ما يعتبره المغرب استفزازاً من الجانب الإسرائيلي.
وأدت هذه الحادثة إلى إعادة طرح مسألة العلاقات مع إسرائيل في الساحة المغربية، فقد دعت شرائح واسعة من المجتمع المغربي إلى وقف مسار التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، هذه الدعوات تزامنت مع مظاهرات حاشدة في مختلف أنحاء المملكة تضامناً مع الشعب الفلسطيني.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، سارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى تقديم الاعتذارات والتبريرات. فقد وصف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحادث بأنه “خطأ تقني غير مقصود”، مؤكداً أن “الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء نتنياهو اعترفت بسيادة المملكة المغربية على كامل أراضيها”.
حسن كعبية، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية للإعلام العربي، قدم اعتذاراً رسمياً قائلاً: “إسرائيل والمغرب خاوة خاوة ولن نتراجع عن اعترافنا التاريخي بمغربية الصحراء”. لكن هذه الاعتذارات لم تنجح في تهدئة الغضب المغربي، خاصة مع تكرار الحادث للمرة الرابعة.
من جانبه، يتمسك المغرب بموقفه الثابت تجاه قضية الصحراء، مع الحفاظ على توازن دقيق في علاقاته الدولية. فقد أكد الملك محمد السادس أن “اختيار المغرب للتعاون مع جميع الأطراف بصدق وحسن نية لا ينبغي فهمه على أنه ضعف، أو اتخاذه كدافع لطلب المزيد من التنازلات”.