يتابع المنتظم الدولي ومكونات الفضاء المدني تراجعات كبيرة في مجال حرية الرأي والتعبير والصحافة في الجزائر، بالشكل الذي أصبح يقوض أي محاولة لنقاش مخارج التقويم والصلاح في البلد المغاربي، وتتخذ تلك التحديات أشكالا مختلفة ومسارات معقدة، لا يمكن معها تحقيق أي تقدم يذكر في سبيل تحقيق مطالب الحراك الشعبي الجزائري ومطالب الحركة الحقوقية الجزائرية التي أصبحت تشتغل في معظمها تشتغل من الخارج، نظرا لموجات القمع والتنكيل والإغلاق الممنهجة ضد أي إرادة للتغيير والحديث عن الإصلاح الديمقراطي والسياسي في الجزائر.
ولعل توقيف بث قناة المغاربية الفضائية عن البث نهاية شهر غشت الماضي، يعد بمثابة دق اخر مسمار في نعش إقامة وتنظيم حوارات صريحة حول الحقوق والحريات والممارسة السياسية ومختلف السياسات العمومية والخطط والاستراتيجيات وتقييم عمل الحكومة الجزائرية.
ويرى متتبعون للشأن الجزائري أن هذا التوقيف يدخل في إطار استراتيجية أمنية جزائرية تهدف الى اسكات الأصوات المعارضة والجادة وإخفاء أي محاولة لانتقاد الأوضاع المزرية للشعب الجزائري وتردي الوضع السياسي والنقابي والحقوقي والمعيشي للجزائري، ويظهر جليا قوة ونفوذ الأجهزة الأمنية الجزائرية السرية منها والعلنية، دوليا وقدرتها على التأثير في قرارات هيئات التنظيم والبث الدولية على أساس اتفاقات لا زالت مجهولة، غير أنها ضد إرادة الشعب الجزائري وقواه الحية.
ويأتي هذا الإغلاق كرد شرس على مواصلة قناة المغاربية ومنظمات حقوقية جزائرية تقييم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المزرية، ومحاولات السلطات الجزائرية لمنع أي تسريب لمعلومات أو معطيات قد تسيء الى سباق النظام المحموم مع الزمن لإنجاح مرشحه المفضل، الرئيس السابق والحالي عبد المجيد تبون.
وقد تبنت في وقت سابق مكونات تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية المشكلة من منظمة أفريكا ووتش ومنظمة مدافعون من أجل حقوق الإنسان بيان قناة المغاربية الفضائية، وقلقها وتنديدها بإقدام الشركة المؤجرة للقمر الصناعي على إنهاء العقد الذي يجمعهما دون تقديم تفسيرات، بالرغم من خضوعها للقوانين البريطانية الناظمة للبث والعمل الصحفي، ولقوانين الهيئة البريطانية لتنظيم الخدمات الإعلامية.
وقد صرح الأستاذ عبد الوهاب الكاين، نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية ورئيس منظمة أفريكا ووتش، أن تكرار حصول تلك الانتهاكات المرتبطة بإغلاق الفضاء الإعلامي والخبري الجزائري، لا يمكن تفسيره خارج تمسك العسكر بالسلطة وسعيها باستماتة الى اللجوء الى وسائل وتدابير لفرض سلطتها وتحكمها، مهما كانت تلك التدابير قمعية ووحشية، بعيدا عن الاستماع الى تطلعات مختلف فئات الشعب المسحوقة.
وأضاف أن التأثير على هيئات البث والتنظيم بالرغم لمخالفتها للقوانين الوطنية والدولية، ومخالفتها لمقتضيات القانون الدولي، لاسيما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إلا أن السلطات الجزائرية لا تعير انتباه يذكر لالتزاماتها الدولية ذات الصلة، وتتبرم غير ما مرة عن تنفيذ التوصيات الموجهة لها في هذا الجانب، وقد أقدمت الجزائر على حمل المشرفين على هيئات التنظيم والبث على قطع بث قناة المغاربية بشكل مفاجئ في أكتوبر 2019، قبيل الانتخابات الرئاسية دون إشعار مسبق.
ويؤكد الأستاذ الكاين أن تواتر تدخل السلطات الجزائرية في القطاع السمعي البصري ومحاولاتها الممنهجة لقمعه وتدجينه في خدمة اجنداتها ليس وليد اللحظة، بل يرتبط بخط الوسائل الإعلامية والحقوقية والتحريري ومنطلقاتها في العمل الميداني، حيث تلجأ أجهزة الأمن الجزائري لكل الوسائل خارج أي إطار قانوني لوأد أي مبادرة إعلامية أو حقوقية مستقلة تبتغي تناول قضايا الجزائر بشكل موضوعي وتناصر الحراك الاحتجاجي الجزائري المطالب بتحقيق تغيير حقيقي وجذري لمنظومة الفساد السياسي والاقتصادي والمنادي بالقطع مع سياسات استيراد الازمات الخارجية وخلق أعداء في الخارج لتورية عمق وحدة الأزمات الداخلية وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الداخل.
ويصنف الأستاذ الكاين قرار توقيف بث قناة المغاربية نقطة في بحر سياسة قمعية تهدف الى إسكات الأصوات المعارضة والجهات الإعلامية والحقوقية المستقلة وإخضاع الصحافة بمختلف مكوناتها في البلد، عن طريق تقديم الرشاوي أو الملاحقة التعسفية أو إغلاق المؤسسات الإعلامية والصحفية والمنظمات غير الحكومية المستقلة كالرابطة الجزائرية لحقوق الانسان وغيرها، وتوقيف شخصيات مدنية وسياسية بتهم باطلة كتمجيد العنف والإرهاب وغيرها من المبررات التي لا تستند الى دلائل أو وقائع تثبت تلك المزاعم.
وختم رئيس منظمة أفريكا ووتش قائلا: “إن تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، تبنى البيان لأسباب موضوعية تتعلق في مجملها بالتصدي لمحاولات السلطات الجزائرية التضييق على الحريات الإعلامية وفرض قيود مجحفة على المؤسسات الإعلامية ذات الخط التحريري المستقل لفحص سياسات الجزائري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ورغبة التحالف في إنشاء شبكات عبر وطنية قوية وقادرة على التأثير دوليات لحمل الحكومة الجزائرية على تغيير سياساتها التسلطية الموجهة ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء المدنيين المستغلين بالشأن الجزائري، وفرض توفير فضاء امن للاشتغال على ضحايا الجزائر بكل حرية، في تناغم مع ما التزمت به الجزائر من التزامات دولية بموجب انضمامها ومصادقتها على الاتفاقيات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.