أبدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ملاحظات مهمة بشأن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، داعياً إلى ضرورة تحقيق توازن بين حقوق العمال وحرية العمل.
ويأتي رأي المجلس هذا في إطار الجهود المبذولة من قبل الحكومة لمناقشة المشروع بشكل تفصيلي مع النقابات المركزية وأرباب العمل، بعد أن تم تقديمه في مجلس النواب في يوليوز الماضي.
ملاحظات حول مشروع قانون الإضراب
حسب تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، صادق المجلس بالإجماع على رأيه حول مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب.
واعتبر أن هذا المشروع يجب أن يكون محل مراجعة شاملة، تشمل المضمون والشكل، لضمان توافقه مع المرجعية الدستورية والالتزامات الدولية التي تعهد بها المغرب، وتحديداً في ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
واعتمدت مراجعة المجلس على مقاربة تشاركية شملت نقاشات واسعة بين مختلف مكونات المجلس، إضافة إلى تنظيم جلسات استماع مع الجهات المعنية، بما في ذلك القطاعات الحكومية والنقابات وممثلي القطاع الخاص وخبراء في التشريع الاجتماعي.
وقد أشار المجلس إلى أن مشروع القانون يجب أن يحقق التوازن المطلوب بين حق الإضراب، باعتباره حقاً دستورياً، وبين حماية حرية العمل وضمان استمرارية المرافق العامة والخاصة.
التوازن بين حق الإضراب وحرية العمل
وأشار المجلس في ملاحظاته إلى أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب يجب أن يضمن توازناً بين حق الإضراب وحرية العمل، بما يضمن سير المرافق العامة والخاصة وحماية مصالح المقاولات والعمال.
وأكد المجلس أن تقنين الإضراب يجب أن يكون مشروعاً مجتمعياً قائماً على التشاور الواسع والتوافقات البناءة بين مختلف الفاعلين في المجتمع، بحيث يعكس مصالح جميع الفئات ويحقق استقراراً قانونياً وأمنياً في مجال العمل.
وفي هذا السياق، شدد المجلس على أن الإضراب هو حق دستوري يجب أن يمارس في إطار قانوني يضمن حماية حقوق العمال، ويعزز الحوار الاجتماعي بين الأطراف المختلفة، مشيراً إلى أن النصوص المتعلقة بالعقوبات السالبة للحرية يجب أن تُستبعد من المشروع.
مفهوم الإضراب وحقوق الفئات المختلفة
من بين الملاحظات التي قدمها المجلس كانت حول تعريف “الإضراب” في مشروع القانون، والذي وصفه بأنه توقف جماعي عن العمل للدفاع عن المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشرة للأجراء. ورأى المجلس أن هذا التعريف يتطلب مراجعة شاملة، إذ لم يتم توضيح ما المقصود من “المصالح الاجتماعية والاقتصادية”، ولم يتم التمييز بوضوح بين الأهداف السياسية للإضراب والإضرابات الموجهة ضد سياسات عمومية.
كما لاحظ المجلس أن مشروع القانون في صيغته الحالية يحصر حق الإضراب في الأجراء العاملين في القطاعين العام والخاص، وهو ما يعني أنه يستثني فئات أخرى مثل المستقلين والمهنيين وغيرهم. لذلك، أوصى المجلس بتوسيع نطاق الإضراب ليشمل جميع الفئات المهنية، بما يضمن أن يكون القانون أكثر شمولية ويعكس التنوع المهني الموجود في البلاد.
الجهة الداعية للإضراب والتمثيلية النقابية
فيما يتعلق بالجهة المخولة بالدعوة إلى الإضراب، لاحظ المجلس أن مشروع القانون يقصر هذا الحق على النقابات الأكثر تمثيلاً على الصعيد الوطني وفي المقاولات والمؤسسات العامة، وهو ما رأى فيه شرطاً غير عملي وصعب التطبيق في بعض الحالات.
وأوصى المجلس بضرورة مراجعة هذا النص، بحيث يمنح الحق في الدعوة إلى الإضراب لجميع النقابات والجمعيات المهنية المعترف بها قانونياً، متى توفرت لها التمثيلية الكافية.
كما أشار المجلس إلى أن اشتراط حضور 75% من أجراء المؤسسة أو المقاولة للتصويت على قرار الإضراب يعد شرطاً تعجيزياً، خصوصاً في المؤسسات التي تضم عدداً كبيراً من العمال، أو التي توجد فروعها في أماكن متفرقة.
المرافق الحيوية وحدود الإضراب
أثار المجلس كذلك إشكالات تتعلق بتحديد “المرافق الحيوية” التي يجب أن تستمر في تقديم خدماتها أثناء الإضراب، معتبرا أن المشروع لم يميز بشكل واضح بين القطاعين العام والخاص في هذا الصدد، مما قد يؤدي إلى حرمان بعض الأجراء من حقهم في الإضراب.
وأشار إلى أن النصوص المتعلقة بتأمين الحد الأدنى من الخدمة تحتاج إلى توضيح إضافي، بحيث لا تقيد حق الإضراب بشكل مفرط، كما أوصى المجلس بضرورة تحديد الفئات الممنوعة من ممارسة الإضراب بشكل دقيق، بحيث يكون هذا المنع محصوراً في أضيق الحدود الممكنة.
تحديد آجال معقولة للإضراب
واحدة من القضايا المثيرة للجدل في مشروع القانون تتعلق بتحديد الآجال المتعلقة بالإضراب، حيث ينص المشروع على أنه لا يمكن ممارسة حق الإضراب إلا بعد مرور 30 يوماً من تقديم الملف المطلبي للمشغل.
كما يجب إخطار المشغل بالإضراب قبل 15 يوماً من خوضه، وهو ما اعتبره المجلس مدة طويلة لا تتناسب مع بعض القطاعات والمرافق الحيوية التي تتطلب استجابة سريعة.
وأوصى المجلس بمراجعة هذه الآجال، بحيث تكون أكثر مرونة وتأخذ بعين الاعتبار الظروف الطارئة التي قد تفرض الحاجة إلى الإضراب بشكل أسرع.
وفي ختام تقريره شدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على ضرورة مواصلة الحوار بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل بشأن مشروع القانون التنظيمي للإضراب، مؤكدا أن الوصول إلى توافقات مجتمعية بناءً على تشاور واسع هو السبيل الأمثل لإقرار قانون يضمن حماية حقوق العمال، ويعزز استقرار المقاولات والمرافق العامة والخاصة.