في إطار برنامجها القُطري الثاني مع المغرب، كشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) عن نتائج دراسة مفصلة تستعرض الوضعية الاقتصادية الحالية في المملكة.
الدراسة، التي تم تمديدها عبر بروتوكول جديد وُقِّع الأربعاء، تسلط الضوء على مجموعة من التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد المغربي، مع التركيز بشكل خاص على سوق العمل، القطاع غير المهيكل، والمخاطر البيئية.
ارتفاع معدل البطالة وتدني نسبة النساء النشيطات
من أبرز النقاط التي تطرق إليها التقرير هي معضلة ارتفاع معدل البطالة، لاسيما بين الشباب المغربي. فقد أكدت الدراسة أن معدل البطالة بين الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، قد وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 35.8%. هذا الرقم يعكس عمق الأزمة التي يعاني منها سوق العمل، حيث يجد العديد من الشباب صعوبة كبيرة في الحصول على وظائف ملائمة، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الهجرة بين هذه الفئة.
كما تسجل الدراسة أيضاً تراجعاً ملحوظاً في نسبة النساء النشيطات في سوق العمل، والتي بقيت منخفضة بشكل استثنائي عند 19% عام 2023. هذا التحدي يعكس العقبات التي تواجهها النساء في الاندماج الكامل في سوق العمل، ويستدعي اتخاذ تدابير فعالة لتحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للنساء في المغرب.
تأثير القطاع غير المهيكل على الاقتصاد الوطني
أحد أبرز نتائج الدراسة هو التأكيد على أن القطاع غير المهيكل ما زال يلعب دوراً مهماً في تشغيل القوى العاملة بالمغرب. حيث يشمل هذا القطاع ما يقرب من ثلثيْ الوظائف في الاقتصاد المغربي، مما يجعله قوة مؤثرة على النشاط الاقتصادي. ومع ذلك، فإن القطاع غير المهيكل يعاني من تدني الأجور وضعف جودة الوظائف، مما ينعكس سلباً على الإنتاجية الاقتصادية ويؤدي إلى منافسة غير عادلة مع الشركات الرسمية.
القطاع غير المهيكل يشمل بشكل رئيسي الأنشطة الزراعية والفلاحية، حيث يعمل حوالي 82% من النساء و46% من الرجال في هذا المجال. كما تمتد هذه الظاهرة إلى قطاعات أخرى مثل البناء والأشغال العمومية والتجارة وخدمات الإصلاح. وقد أشار التقرير إلى أن الزيادة في عدد الوظائف في هذا القطاع تعيق المكاسب الإنتاجية للشركات المغربية، وتؤدي إلى ضعف جودة العمل وتدني الأجور.
تحديات بيئية وأزمة المناخ
بجانب القضايا الاقتصادية، تناولت الدراسة أيضاً المخاطر البيئية التي تواجه المغرب، بما في ذلك تأثيرات تغير المناخ وإجهاد الموارد المائية. رغم التعافي النسبي في النمو الاقتصادي بعد الجائحة وأزمة الطاقة، يظل المغرب معرضاً لتأثيرات تغير المناخ، وهو ما يتطلب جهوداً إضافية لمواجهة هذه التحديات.
وأشار التقرير إلى التزام المغرب بتقليص انبعاثات الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010، مع هدف الوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050. ويعتمد المغرب على إمكانات الطاقة المتجددة لتحقيق هذا الهدف، لكن التحديات المرتبطة بتغير المناخ وإجهاد الموارد المائية مازالت قائمة، مما يستدعي تنفيذ استراتيجيات متكاملة لمواجهة هذه المخاطر.
في الختام، تبرز دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الحاجة الملحة لإصلاحات هيكلية تدعم النمو الاقتصادي المستدام، وتحسين فرص العمل، وتعزيز استدامة البيئة. يتطلب هذا الأمر استجابة شاملة من السلطات المغربية لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المدى الطويل.