“وطن برائحة الشهداء.. فكيف لا يغار منه الياسمين”. هكذا هو الحال بالنسبة لبلد شهداء يرحلون تباعا، آخرهم الشهيد يحيى السنوار، قائد حركة حماس خلاقة لإماعيل هنية الذي قتل هو أيضا على يدي الإحتلال الإسرائيلي، فالوداع لمن قضى حياته بين مقاعد الدراسة وزنازين السجون الإسرائيلية التي شهدت أراضيها على موطأ أقدامه سيرا وقعوسا.
وحدهم الذين عرفوا طريق الجهاد، وما رضوا بغيره طريقا، وهم الذين نظروا بعينهم أن لا عيش فى هذه الدنيا إلا عيش الأحرار، ومن ثم فإنهم أدركوا قبل غيرهم حقيقة أن ليس المهم أن يموت أحدنا، بل المهم أن تستمروا، فقد خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق، فإما عظماء فوق الأرض أوعظاما في جوفها. شعار خلده السنوار ومن معه في حركة حماس مؤمنين بالقضية الفلسطينية. فمن يكون يحيى السنوار الذي وصفته إسرائيل بـ”الرجل الميت الحي”.
عام 1962 ولد بخان يونس غلام اسمه يحيى، أخذ بعد توالي السنوات أمانة النضال بقوة، فكان تقيا، وكان في وجه الاحتلال جبارا عصيا، لتصفه إسرائيل بـ”أنه بداية كل شيء ونهايته في غزة”.
من مقاعد الدراسة إلى زنازين السجون، رسم السنوار مساره بعناية، ناشط طلابي تحول إلى أحد مؤسسي الجناح العسكري لحركة حماس، عشرون عاما قضاها خلف القضبان، لكنها كانت مدرسة له لفهم عدوه، وفي السجن، أتقن العبرية وأدمن متابعة الإعلام الإسرائيلي، كان ذلك سلاحه الخفي
في عام 1985، أسس السنوار جهاز “المجد” الأمني التابع لحماس، مما جعله هدفا للاعتقالات المتكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 1988، حُكم عليه بالسجن أربعة مؤبدات بتهم تتعلق بتأسيس الأجهزة الأمنية والعسكرية لحماس.
بعد الإفراج عنه في صفقة تبادل أسرى، لم يضع وقتا في تسلق سلم القيادة في حماس، ففي 2017، أصبح زعيم الحركة في غزة، ليُنظر إليه كالرجل القوي الحقيقي، حتى مع وجود قيادة في الخارج.
عرف السنوار بنهجه المتشدد وتركيزه على تقوية القدرات العسكرية لحماس، وضع غزة في صدارة أولوياته، متحديا الحصار وساعيا لتعزيز قوة المقاومة، واعتبرته إسرائيل العقل المدبر لعملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، مما جعله هدفا رئيسيا في الحرب التي تلت ذلك. وفي خضم المعارك، تحدى السنوار محاولات اغتياله بظهور علني جريء.
17 أكتوبر 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استشهاد السنوار خلال اشتباكات في رفح، لتنتهي بذلك مسيرة أحد أبرز قادة حماس وأكثرهم تأثيرا في تاريخ الحركة.
لا تبكي ياغزة الأبية، ولا تعلني الحداد فوق جسد الضحية، لا تلثمي الجرح ولا تنتزعي الشظية، القطرة الأولى من الدم الذي نزفته ستحسم القضية. فوداعا يحيى السنوار.
