في زاوية من الحي الإداري بأكادير، تجلس حسنة، الكاتبة العمومية التي تجاوزت الثالثة والستين من عمرها، لتكون همزة الوصل بين المواطنين وأوراقهم الرسمية.
بعيون ترى ما وراء الكلمات وقلب يفيض بالإنسانية، تحول حسنة المعاملات الإدارية الجافة إلى جسور من التواصل الإنساني.
حاصلة على الإجازة في الحقوق، كان يمكن لحسناء أراك أن تسلك مساراً مختلفاً تماماً. نجحت في مباراة إدارة السجون عام 1980، كما اجتازت بنجاح مباراة الأساتذة. كان والدها يحلم بأن تصبح محامية أو قاضية، ودفعها لمواصلة دراستها في كلية الحقوق بالرباط، حيث سكنت في الحي الجامعي مولاي إسماعيل.
ما يميز حسناء عن غيرها هو نظرتها الإنسانية لمهنتها. فهي لا تضع السعر قبل الخدمة، بل تترك الأمر لتقدير الزبون وظروفه المادية. تقول بكل فخر: “من لا يملك المال ليدفع، أخدمه مجاناً. كيف لي أن أطلب المال من أرملة أو من رجل مسكين يبيع بضاعة بسيطة ليجدد رخصة سياقته؟”
## خدمات متنوعة ومهارات متعددة
تقدم حسنة مجموعة واسعة من الخدمات:
– كتابة الشكايات بمختلف أنواعها
– تعبئة الوثائق الإدارية باللغتين العربية والفرنسية
– المساعدة في وثائق رخص السياقة والضرائب والمحافظة العقارية
– تحرير الوثائق الخاصة بالصيادين والسائقين المهنيين
رغم التحديات المناخية القاسية – برد شديد شتاءً وحر لاهب صيفاً – تواصل حسنة عملها بتفانٍ. تشارك معاناتها مع الموظفين في المكاتب غير المكيفة، وتتحمل الظروف بصبر من أجل لقمة العيش الحلال.
تؤكد حسناء أن المغرب الرقمي لم يؤثر سلباً على عملها. فالناس ما زالوا يحتاجون خدماتها، خاصة أولئك الذين لا يجيدون التعامل مع التكنولوجيا أو يفضلون التعامل المباشر.
أم لابنة متزوجة، وتعيل أيضاً ابنة أخيها اليتيمة. تعيش حياة متواضعة وتؤمن بأن كل شيء قسمة ونصيب، وأن السعادة تكمن في القناعة والرضا بما قسم الله.
تختم حسنة حديثها بتحية خاصة للمرأة المغربية المناضلة، وللأمازيغ في أكادير وسوس، داعية إلى التواضع والقناعة، مؤكدة أن المغاربة “ناس طيبين” يستحقون كل خير.
بين أروقة الحي الإداري في أكادير، تبقى حسنة شاهدة على أن المهنة ليست مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هي رسالة إنسانية في المقام الأول.