من مدينة تازة، حيث تتشابك الأزقة القديمة وتحكي جدرانها قصصا لا تُحصى، فيها فسحة للزائرين، هناك نشأ محمد التوزاني في كنف عائلة كبيرة ضمت تسعة وعشرين فردا، خلال فترة الحماية الفرنسية، حيث انقسمت المدينة إلى شطرين: تازة العليا للمغاربة، وتازة السفلى للمستعمر الفرنسي. حسب ما أفاد به في حديث شيق خص به موقع “فبراير.كوم”.
“عشنا في دار واحدة، تجمعنا روابط الدم والمصير المشترك،” يروي التوزاني، المولود في السابع من دجنبر عام 1938. “كانت حياة بسيطة، لكنها غنية بتفاصيلها وتحدياتها.”
حديثه الشيق دفعنا لاكتشاف الجزء الخفي من مدينة تازة، “كانت تازة آنذاك مسرحا لتعايش ثقافي فريد، حيث تجاور المغاربة مع اليهود في الملاح، بينما أقام الفرنسيون في الجزء السفلي من المدينة”.
يصف التوزاني الحياة اليومية قائلاً: “كنا نعيش في عالمين متوازيين. كان لدينا سوقان أسبوعيان: يوم الخميس ويوم الاثنين، حيث يأتي الناس من البوادي المجاورة لبيع منتجاتهم من صوف وبيض وغيرها.”
وفي خضم حديثه عن المقاومة الثقافية، يوضح “لم تكن المقاومة عسكرية فحسب، بل كانت ثقافية بالدرجة الأولى، متذكرا كيف كان الآباء يرفضون إرسال أبنائهم إلى المدارس الفرنسية، خوفاً من الغزو الثقافي. “كان الفرنسيون يضربون أطفالنا بالعصا لإجبارهم على الذهاب إلى مدارسهم، لكن العائلات ظلت صامدة.”
وفي المقابل، كان التعليم في المسيد (الكتّاب القرآني) هو الخيار المفضل للعائلات المغربية. يقول التوزاني: “كان التعليم محصورا في الفقه الإسلامي واللغة العربية والنحو والتصريف والشعر. للأسف، لم نكن نتعلم تاريخ بلادنا – لا عن المرابطين ولا السعديين. هذا المعرفة اكتسبناها لاحقاً.”
بعد الاستقلال، شهد المغرب تحولات عميقة، يصف التوزاني هذه الفترة بنظرة نقدية: “رأينا صراعات جديدة تظهر. حتى المقاومة نفسها شهدت تصفيات داخلية. كنا نطمح إلى حقوق المرأة والرجل والديمقراطية الحقيقية، لكن الواقع كان أكثر تعقيدا.”
في خضم هذه التحولات، انضم التوزاني إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، باحثاً عن طريق للإصلاح. يعترف: “كان الوعي الفكري محدوداً. كان المناضلون مخلصين لكنهم أحياناً منغلقين على أنفسهم. كان الصراع صراع أشخاص أكثر منه صراع أفكار.”
شهادة محمد التوزاني وثيقة حية تؤرخ لفترة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث. فمن خلال عينيه، اكتشفنا صورة مركبة لمجتمع في طور التحول، يناضل من أجل هويته وتطلعاته، في ظل تحديات داخلية وخارجية عميقة.
هذه الذكريات لم تكن يوما مجرد سرد تاريخي، بل هي درس في كيفية فهم الحاضر من خلال عدسة الماضي، وتذكير بأن النضال من أجل الكرامة والحرية والهوية هو نضال مستمر عبر الأجيال.