الرئيسية / نبض المجتمع / نبوءات الراحل المهدي المنجرة حين تفقد المدرسة "بوصلة" القيم

نبوءات الراحل المهدي المنجرة حين تفقد المدرسة "بوصلة" القيم

نبوءات الراحل المهدي المنجرة حين تفقد المدرسة "بوصلة" القيم
نبض المجتمع
فريد أزركي 17 ديسمبر 2024 - 19:00
A+ / A-

تواجه منظومتنا التعليمية في السنوات الأخيرة، ما يصطح عليه بـ”أزمة القيم” والتي بحسب وصف باحثين تعد من أهم التحديات التي تواجه المدرسة المغربية، فهذه الأخيرة،  التي كانت تاريخيا منارة للقيم والأخلاق، تجد نفسها اليوم في مفترق طرق بين الحفاظ على هويتها القيمية وبين مواكبة متطلبات العصر.

المهدي المنجرة، عالم المستقبليات، الذي للأسف عرفه الغرب أكثر مما عرفه العرب، عالج عدة قضايا تؤرق الإنسان العربي وتشغله، منها ما هو مجتمعي ومنها ما هو اقتصادي، وقد قدم دراسات مستفيضة وتحليلات دقيقة للأوضاع السائدة وقيض لها مقاربات تبتغي حلها بشكل عملي، ولعل أبرز ميدان تعرض له المهدي بالدراسة والنقد والتحليل هو ميدان التربية والتعليم من حيث هو المبدأ والمنطلق ، وقد قاربه من موقعه كأستاذ انطلق من المدارس والجامعات المغربية وخبر كواليسها، وانتهى به المطاف مدرسا بالجامعات اليابانية والأمريكية مراكما تجربة فريدة جدا لقربه وانخراطه في هذه الأنظمة التعليمية الرائدة.

إن التناقض الصارخ بين ما يتلقاه التلميذ في الفصل الدراسي وما يشاهده في محيطه المدرسي والاجتماعي يخلق حالة من الارتباك القيمي. فكيف نطلب من طالب احترام القيم والأخلاق في حين أن الواقع من حوله يقدم نماذج مغايرة تماماً؟

لقد أصبحنا نشهد ظواهر مقلقة داخل مدارسنا: العنف، التنمر، غياب الاحترام، تراجع قيم التعاون والتضامن، هذه الظواهر ليست مجرد حوادث معزولة، بل هي مؤشرات على أزمة عميقة في منظومة القيم التربوية.

والأخطر من ذلك هو التأثير الذي يتركه هذا الواقع على الناشئة، فجيل اليوم يجد نفسه في مواجهة تحديات غير مسبوقة: من جهة، هناك الضغط الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي الذي يروج لقيم مغايرة، ومن جهة أخرى، هناك ضعف في آليات غرس القيم الأصيلة في المدرسة.

ونبّه المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة إلى حقيقة جوهرية: أن نهضة الأمم تبدأ من المدرسة، مشددا في رؤيته على أن التطور الحقيقي يتطلب إعادة الاعتبار للمنظومة التعليمية برمتها، بدءاً من تكريم المعلم وتقدير الطالب.

وأكد المنجرة أن المجتمع الناهض هو الذي يجعل من التعليم قيمة مقدسة، ويرفع من شأن المفكرين والعلماء والمعلمين، ويقدمهم كنماذج للنجاح أمام الأجيال الصاعدة، محذرا بشدة من خطورة المسار المعاكس الذي نشهده اليوم، حيث يتم تهميش دور المدرسة وتقليل قيمة المعلمين والمفكرين.

وأشار بحكمته إلى أن تراجع مكانة المدرسة والمعرفة في مجتمعاتنا العربية قد أدى إلى نتائج كارثية: جيل يحتقر العلم، وينظر بازدراء للإنتاج الفكري، ويهمش دور المثقفين في الحياة العامة، هذا الواقع المؤلم، كما يرى المنجرة، هو نتيجة مباشرة لسياسات خاطئة وقرارات عشوائية أدت إلى الأفول الحضاري الذي تعيشه أمتنا اليوم.

إن الحل لا يكمن في مجرد إضافة مواد دراسية عن القيم والأخلاق، بل في إعادة النظر في المنظومة التربوية برمتها، نحتاج إلى مقاربة شمولية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتشرك جميع الفاعلين التربويين: المدرسة، الأسرة، المجتمع المدني.

وكما يشير الباحثون في الكتاب المذكور، فإن تفعيل الأندية التربوية والأنشطة الموازية كالمسرح المدرسي يمكن أن يشكل مدخلاً مهماً لتعزيز القيم. فهذه الفضاءات توفر بيئة تفاعلية تمكن الطلاب من ممارسة القيم وليس مجرد تلقينها.

نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تجديد الخطاب القيمي في مدارسنا. خطاب يتجاوز التلقين إلى الممارسة، ومن النظرية إلى التطبيق. نحتاج إلى مدرسة تؤمن بقدرات طلابها وتثق في إمكاناتهم، وتمنحهم الفرصة للمشاركة في بناء منظومة القيم.

إن مستقبل أجيالنا القادمة مرهون بقدرتنا على إعادة الاعتبار للقيم في مدارسنا. فالمدرسة ليست مجرد مكان لتلقي المعارف، بل هي مؤسسة لبناء الإنسان المتشبع بالقيم الأصيلة والقادر على مواجهة تحديات العصر.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة