أشار محمد القصري، عضو المحكمة الدستورية، إلى عدة حالات استطاع فيها القضاء الإداري تحقيق هذا التوازن، خلال ندوة علمية احتضنتها مدينة طنجة.
وبدأ عضو المحكمة الدستورية، بالحديث عن الصعوبات المادية التي قد تواجه الإدارة، موضحًا أن التعويض في ظل نظرية الظروف الطارئة يكون مساعدة على تحمل الخسارة، بينما في ظل نظرية فعل الأمير والصعوبات غير المتوقعة، تكون الإدارة ملزمة بالتعويض الكامل عن جميع الأضرار.
وأكد أن هذا التعويض يهدف إلى تحقيق التوازن المالي للعقد، مع مراعاة مصلحة المتعاقد في اقتضاء حقوقه ومصلحة الإدارة في إنجاز المرفق العام وتلبية حاجات المرتفقين.
تطرق القصري أيضا إلى قضية الأشغال الإضافية التي تتم خارج نطاق العقد، والتي كانت تطرح إشكالية كبيرة بالنسبة للإدارة والمتعاقد. في البداية، اعتمد القضاء الإداري على نظرية الإثراء بلا سبب، حيث كانت الإدارة تتسلم الأشغال دون تعويض كامل للمقاول، إلا أن هذه النظرية تم التخلي عنها لاحقًا بسبب وجود خطأ مشترك بين الإدارة والمقاول.
وأوضح أن القضاء الإداري اعتبر أن الإدارة والمقاول يتحملان المسؤولية بشكل مشترك، حيث إن الإدارة تعلم أن الأشغال لا يمكن تنفيذها إلا في إطار عقد صحيح، والمقاول يعلم أنه لا يمكنه تنفيذ الأشغال دون عقد.
في سياق آخر، تحدث القصري عن قضية الاعتداء المادي على الملكية، حيث كان القضاء الإداري في البداية يرفض نقل ملكية العقار المغصوب، ويحكم لصالح المعتدي بتعويض دون نقل الملكية. إلا أن هذا الوضع أدى إلى إشكالات، منها ضياع المال العام وعدم تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. لذلك، تطورت أحكام القضاء الإداري لتصبح مستقرّة على ضرورة نقل ملكية العقار إلى الإدارة مقابل التعويض الذي يحصل عليه المعتدي، وذلك حفاظًا على المال العام وتحقيقًا للتوازن بين المصلحة العامة والخاصة.
كما أشار إلى حالات أخرى استطاع فيها القضاء الإداري تحقيق التوازن، مثل قضية الحق في الصحة وتوفير العلاج، والتي تمثلت في قضية تورية اللمطي الشهيرة. هذه القضية تعد نموذجًا واضحًا لكيفية موازنة القضاء بين المصلحة العامة والخاصة، حيث تم توفير العلاج للمواطنين مع مراعاة مصلحة المرفق العام.
اختتم القصري حديثه بالتأكيد على أن القضاء الإداري استطاع عبر تطور أحكامه أن يوازن بين المصلحة العامة والخاصة في العديد من القضايا المعقدة، مع الحفاظ على مبادئ العدالة والإنصاف.