سجل قطاع السياحة في المغرب خلال عام 2024 قفزة نوعية على مستوى الأداء، حيث استقطب 17.4 مليون سائح، وهو رقم قياسي يعكس تعافي القطاع بعد سنوات من التحديات العالمية والإقليمية.
ووفقًا للبيانات الرسمية، عززت هذه النتائج مكانة المملكة كأول وجهة سياحية في القارة الإفريقية، مما سلط الضوء على الجهود المبذولة من مختلف الفاعلين في المجال السياحي، سواء من حيث التسويق أو تطوير البنية التحتية. ومع ذلك، أثارت هذه الأرقام نقاشًا بين الخبراء حول ضرورة الاستمرار في تحسين الأداء واستغلال الإمكانيات المتاحة.
الخبير السياحي الزبير بوحوت أوضح في تصريحات إعلامية أن نسبة كبيرة من الرقم القياسي المحقق تعود إلى مغاربة العالم الذين اختاروا قضاء عطلاتهم في وطنهم الأم، حيث يمثلون حوالي 49% من إجمالي السياح الوافدين. ورغم أهمية هذه النسبة.
وأكد بوحوت أن الاعتماد الكبير على السياحة الداخلية يشكل تحديًا أمام تحقيق نسب مشابهة لما تسجله الدول السياحية الكبرى، مثل تركيا، التي تعتمد بشكل رئيسي على السياحة الدولية بنسبة تتجاوز 80%.
من بين العوامل الرئيسية التي ساهمت في تحقيق هذه القفزة النوعية كان النقل الجوي، إذ سجلت المطارات المغربية استقبال 11.8 مليون سائح، ما يعادل 68% من إجمالي الوافدين، بزيادة قدرها 23% مقارنة بالعام الماضي.
مطار مراكش، على سبيل المثال، تصدر قائمة المطارات الأكثر استقبالًا للسياح، مستحوذًا على 30% من الوافدين، يليه مطار الدار البيضاء، ثم أكادير. ورغم هذه النتائج الإيجابية، ما زالت بعض المطارات الإقليمية تسجل نسب استقبال منخفضة، مما يعكس التفاوت الكبير بين الوجهات السياحية في المملكة.
من جانب آخر، كشفت الإحصائيات عن استمرار هيمنة الأسواق الأوروبية على السياحة المغربية، حيث تشكل 65% من إجمالي الوافدين، مع تصدر السوقين الفرنسية والإسبانية. ورغم النمو الملحوظ في السوق البريطانية التي سجلت زيادة بنسبة 47%، والسوق الصينية التي شهدت نموًا بنسبة 78%، إلا أن هناك تحديًا مستمرًا يتمثل في تنويع الأسواق وجذب السياح من دول كبرى أخرى مثل الولايات المتحدة، الهند، والبرازيل. هذا التنوع بات ضروريًا لتحقيق الاستدامة في القطاع السياحي، خاصة مع المنافسة الإقليمية والدولية.
القطاع السياحي لا يواجه فقط تحديات في الأسواق الدولية، بل أيضًا على مستوى العدالة المجالية داخل المملكة. مدن مثل مراكش وأكادير والدار البيضاء، التي تُعد من أبرز الوجهات السياحية، تستحوذ على النصيب الأكبر من الاستثمارات والاهتمام، بينما تعاني مدن أخرى مثل شفشاون، الداخلة، ودرعة تافيلالت من ضعف في البنية التحتية وقلة الترويج.
الخبير بوحوت دعا إلى ضرورة تفعيل دور الجهات المنتخبة لتعزيز التنمية السياحية في هذه المناطق، معتبرًا أن العدالة المجالية لا تتحقق إلا بمشاركة فعلية من السلطات المحلية.
يذكر أن تحقيق هدف 17.4 مليون سائح يمثل خطوة مهمة، لكنه يفرض تحديات أكبر على القطاع في المستقبل، فالوصول إلى 23 مليون سائح بحلول عام 2026، وأكثر من 30 مليون سائح في أفق 2030، يتطلب استثمارات قوية في البنية التحتية، تطوير الفنادق، وتعزيز الربط الجوي مع الأسواق الناشئة، إضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر دعمًا حكوميًا مستمرًا ومراجعة للأهداف الاستراتيجية لتتماشى مع إمكانيات المملكة وطموحاتها في التحول إلى وجهة سياحية عالمية.