أظهرت دراسة حديثة أجرتها جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان، بدعم من الاتحاد الأوروبي، مدى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما المغربي.
ورغم أن هذا المجال يمثل بيئة إبداعية فريدة، إلا أنه لا يخلو من مظاهر التمييز والعنف التي تؤثر بشكل كبير على النساء العاملات فيه، حيث سلطت الدراسة الضوء على أشكال مختلفة من العنف، بدءًا من النفسي والاقتصادي وصولاً إلى الجنسي، مع التركيز على العوامل التي تسهم في تفاقم هذه الظاهرة.
وبحسب الدراسة، يُعتبر العنف النفسي الشكل الأكثر شيوعاً في قطاع السينما، حيث أشارت أغلب النساء اللواتي شملتهن المقابلات إلى تعرضهن له بشكل مباشر أو غير مباشر.
يتمثل هذا العنف في الإهانات، والتقليل من قيمة العمل، وخلق أجواء من التوتر والضغط النفسي، إذ وغالباً ما يُمارس هذا النوع من العنف من قبل رؤساء العمل أو الزملاء، خاصة عندما تُظهر الضحية أي علامات ضعف أو هشاشة.
وتكمن خطورة العنف النفسي في استمراريته الزمنية وتأثيره السلبي العميق على الصحة النفسية والقدرة الإنتاجية للضحايا.
أما العنف الاقتصادي، فقد احتل المرتبة الثانية بين أشكال العنف المنتشرة، حيث أكدت العديد من النساء المهنيات في القطاع أنهن تعرضن لاستغلال اقتصادي متمثل في العقود غير الواضحة، أو عدم الحصول على تعويضات عادلة، أو فرض مهام إضافية دون مقابل.
ويتجلى هذا العنف بشكل خاص في المهن التقنية والإدارية، حيث يتم استغلال هشاشة الوضع الاقتصادي للنساء العاملات في القطاع، ما يتركهن عرضة للاستغلال بشكل أكبر.
العنف الجنسي، رغم أنه ليس الأكثر شيوعاً في التصريحات، إلا أنه يُعد من أكثر الأشكال إيلاماً وتعقيداً، حيث أظهرت الدراسة أن الممثلات الشابات هن الأكثر عرضة لهذا النوع من العنف، سواء عبر التلميحات الجنسية، أو الابتزاز، أو حتى الملامسات الجسدية غير المرغوب فيها.
ويُعزى انخفاض نسب التصريح بالعنف الجنسي إلى غياب الشجاعة للتنديد به والخوف من وصمة العار، ما يؤدي إلى استمرار هذه الظاهرة في الخفاء.
ورغم وجود تشريعات وطنية ودولية تحمي حقوق النساء، إلا أن الدراسة أكدت أن هناك تحديات كبرى تواجه مكافحة هذه الظاهرة في قطاع السينما، منها ضعف الإطار القانوني، وغياب عقود عمل واضحة، وندرة المراقبة، جميعها عوامل تسهم في خلق بيئة مواتية لانتشار العنف. كما أن ضعف التمثيل النسائي في النقابات والجمعيات المهنية يزيد من صعوبة مواجهة هذه المشكلة، حيث أن هذه الهيئات تفتقر إلى آليات فعالة للتبليغ والدعم.
من جهة أخرى، أشارت الدراسة إلى أن النساء في بداية مسارهن المهني هن الأكثر عرضة للعنف بجميع أشكاله، وذلك بسبب ضعف وعيهن بحقوقهن، وترددهن في التبليغ، والخوف من فقدان الفرص المهنية. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر الثقافة المجتمعية تصوراً تقليدياً عن النساء العاملات في القطاع السينمائي، مما يزيد من الهشاشة التي يعانين منها ويعمق التحديات التي تواجههن.
وتدعو الدراسة إلى العمل على تعزيز وعي النساء بحقوقهن، وتوفير الدعم النفسي والقانوني لضحايا العنف، ووضع آليات فعالة للتبليغ والانتصاف.
كما تشدد على أهمية إدماج النساء في مواقع القرار داخل القطاع السينمائي، وخلق بيئة مهنية عادلة وآمنة تسهم في تعزيز المساواة بين الجنسين. إن كسر حاجز الصمت حول هذه الظاهرة هو الخطوة الأولى نحو بناء قطاع سينمائي مغربي يحترم كرامة جميع العاملين فيه، ويعزز دور النساء كمبدعات وشريكات في التنمية الثقافية.