تناول محمد سعيد السعدي، وزير التنمية الاجتماعية والتضامن في حكومة التناوب، في حوار مطول مع موقع “فبراير.كوم”، قضايا اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة ومتشعبة تهم المغرب والمغاربة.
وبدأ السعدي حديثه بمناقشة إشكالية “رأسمالية المحاسيب“، وهي ظاهرة تعكس التداخل بين الثروة والسلطة، حيث يتم استغلال النفوذ السياسي لتحقيق مكاسب اقتصادية.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة ليست حديثة، بل هي مزمنة وتتفاقم في ظل غياب تفعيل المادة 36 من الدستور المغربي، التي تنص على محاربة الاحتكار والفساد وتضارب المصالح.
ومع ذلك، لم يتم تفعيل هذه المادة بشكل كاف من خلال قوانين واضحة تحد من هذه الممارسات.
أوضح السعدي أن “رأسمالية المحاسيب” تعني استغلال النفوذ السياسي لتحقيق منافع اقتصادية. وأشار إلى أن هذه الظاهرة تظهر بوضوح في القطاع الصناعي، حيث تتركز الثروة في أيدي مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة مع السلطة. هذه العلاقات تمنحهم امتيازات كبيرة، مثل الحصول على أراضٍ استراتيجية بأسعار زهيدة، أو تمويل دون ضمانات، أو حماية جمركية أكبر مقارنة بالشركات المستقلة.
وأضاف أن هذه الممارسات تؤدي إلى احتكار السوق وتقليص فرص المنافسة العادلة، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.
قدم السعدي أمثلة ملموسة على هذه الظاهرة، منها تحويل أراضي مملوكة للدولة إلى مشاريع تجارية دون مناقصات عادلة. على سبيل المثال، أشار إلى أرض “ملعب ديوانة” في الدار البيضاء، التي كانت مخصصة للجمهور وتحولت إلى متجر كبير دون إجراءات شفافة.
كما تحدث عن حالات تم فيها تمويل مشاريع مقربين من السلطة دون ضمانات كافية، مما أدى إلى خسائر كبيرة للدولة. وأشار إلى أن الصندوق العقاري والسياحي تم استخدامه لتمويل مشاريع لوزراء وسفراء سابقين دون ضمانات، مما يظهر حجم الفساد وتضارب المصالح.
وأكد السعدي أن “رأسمالية المحاسيب” تؤثر سلبًا على الاقتصاد المغربي بعدة طرق. أولاً، تقلص المنافسة العادلة، حيث تحصل الشركات المرتبطة سياسيًا على تسهيلات أكبر من الإدارة مقارنة بالشركات المستقلة. ثانيًا، تؤدي هذه الممارسات إلى تراجع النمو الاقتصادي، لأن الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر المحرك الرئيسي لخلق فرص العمل، يتم تهميشها. ثالثًا، تقلل هذه الظاهرة من الابتكار، حيث أن الشركات المرتبطة سياسيًا لا تحتاج إلى تحسين جودة خدماتها أو تقديم منتجات مبتكرة.
ودعا السعدي إلى إصلاحات جذرية لمواجهة هذه الظاهرة. أولاً، أكد على ضرورة تفعيل المادة 36 من الدستور، التي تحارب الاحتكار والفساد، من خلال إصدار قوانين واضحة تمنع تضارب المصالح وتعزز الشفافية. ثانيًا، دعا إلى تعزيز آليات الرقابة على الصفقات الحكومية والتمويلات لضمان عدم استغلال النفوذ. ثالثًا، شدد على أهمية دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد، من خلال توفير بيئة داعمة تمكنها من المنافسة العادلة.
وتطرق السعدي أيضًا إلى قضايا اجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة. وأشار إلى أن المدونة التي تم إقرارها في عام 2004 كانت خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، لكنه أكد أن الطريق لا يزال طويلًا أمام تحقيق المطامح الكاملة للحركة الحقوقية النسائية.
وأشار إلى أن الإصلاحات القانونية يجب أن تستمر لضمان حصول المرأة على حقوقها الكاملة في جميع المجالات، بما في ذلك العمل والتعليم والمشاركة السياسية.
في ختام حديثه، أكد السعدي على أهمية ربط المعرفة بالقدرة على العمل والانخراط في هموم الناس، في إشارة إلى المفكر الاقتصادي اليساري عزيز بلال، أستاذه ورفيقه في حزب التقدم والاشتراكية.
وأشار إلى أن العلم يجب أن يكون أداة للتغيير وليس مجرد وسيلة للكشف عن الحقائق. ودعا إلى ضرورة تعزيز الشفافية والعدالة في الاقتصاد المغربي لتحقيق نمو مستدام يعود بالنفع على جميع فئات المجتمع.
وأكد أن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية يجب أن تكون شاملة وتأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية، لضمان تحقيق تنمية حقيقية تعود بالنفع على الجميع.