كشفت عملية أمنية واسعة النطاق نفذتها السلطات الإسبانية في 19 فبراير الماضي عن وجود نفق سري يربط بين سبتة الإسبانية، والأراضي المغربية، وذلك في إطار عملية أمنية لمحاربة تهريب المخدرات.
وتبين أن هذا النفق المحفور على عمق 12 متراً تحت الأرض كان يُستخدم منذ سنوات لتهريب كميات ضخمة من الحشيش إلى داخل سبتة، ومنها إلى إسبانيا وأوروبا.
اكتشاف من نوع آخر في حي “طراخال”
بدأت القصة عندما داهمت فرق من الحرس المدني الإسباني مستودعا مهجورا في حي طراخال بسبتة، المتاخم للحدود المغربية، وبحسب مصادر خاصة، فإن المستودع كان يبدو متروكا منذ عامين، لكن سكان المنطقة أبلغوا عن سماع أصوات أعمال حفر وبناء مؤخرا، ما أثار شكوك السلطات.
ووفق المعلومات المتوفرة، نقلا عن “جون أفريك”، فإن العملية التي أطلق عليها اسم “هاديس” – نسبة إلى إله العالم السفلي في الأساطير اليونانية – جاءت نتيجة تحقيقات استمرت لشهور بعد اعتراض شاحنات محملة بأطنان من المخدرات دون التمكن من تحديد مصدرها الدقيق.
ونقلا عن “جون أفريك”، قال المقدم خوسيه مارتينيز، الناطق باسم الحرس المدني في سبتة: “الشبكات الإجرامية تتطور باستمرار، وهذا النفق يمثل نقلة نوعية في أساليب التهريب. لقد استغل المهربون بنية تحتية قديمة وحولوها إلى ممر سري للمخدرات.”
تورط مسؤولين في العملية
وما أثار القلق في هذه القضية هو تورط عناصر من السلطات في عمليات التهريب، فقد أسفرت التحقيقات عن اعتقال 14 شخصاً، من بينهم اثنان من عناصر الحرس المدني، وموظف في السجون، ومسؤول بلدي منتخب.
وأشارت التحقيقات إلى مصادرة أكثر من 6 أطنان من الحشيش كانت مخبأة في مركبات تم اعتراضها من قبل الشرطة، في حين يُقدر حجم المواد المخدرة التي تم تمريرها عبر هذا النفق خلال السنوات الماضية بعشرات الأطنان.
أصل النفق الغامض
تتضارب الفرضيات حول أصل هذا النفق، فبينما أشارت التحليلات الأولية إلى أنه قد يكون بنية عسكرية قديمة شيدها الجيش الإسباني كجزء من نظام دفاعي، تميل الفرضية الأكثر ترجيحا حاليا إلى أنه كان جزءا من نظام تصريف المياه لمصنع الجعة “أفريكا ستار” الذي كان يعمل في المنطقة بين عامي 1953 و1992.
وفق المهندس أحمد العلوي، المتخصص في البنى التحتية القديمة، “يبدو أن النفق كان في الأصل أنبوب تصريف كبير لصرف المياه العادمة من المصنع نحو واد في الجانب المغربي. مع إغلاق المصنع، تم نسيان هذا الأنبوب، ليتم اكتشافه لاحقاً من قبل شبكات التهريب.”
تظهر لقطات فيديو نشرها الحرس المدني على موقع يوتيوب مدى ضيق النفق، إذ لا يتجاوز عرضه 40 سم وارتفاعه 60 سم، ما يتطلب من المستخدمين الزحف على أيديهم وركبهم للتنقل عبره.
غموض مخرج النفق
بالرغم من مرور أسبوعين على اكتشاف النفق، لا تزال السلطات الإسبانية تنتظر معلومات من الجانب المغربي حول مخرج النفق، وكشفت مصادر مطلعة أن السلطات المغربية نفذت عدة مداهمات في محيط الحدود، لكنها لم تصدر أي بيان رسمي بخصوص نتائج تحقيقاتها.
وما يزيد من غرابة القضية هو أن المنطقة التي يُعتقد أن النفق يخترقها تخضع لحراسة مشددة بسبب وجود قاعدة عسكرية مغربية قريبة من الحدود، ما يطرح تساؤلات حول كيفية حفر نفق بهذا الحجم دون أن تكتشفه دوريات الحراسة.
نقص في الإمكانيات
استغلت نقابة الحرس المدني الإسباني (AUGC) هذا الاكتشاف للتنديد بنقص الإمكانيات المخصصة لمكافحة شبكات التهريب. وقالت النقابة في بيان لها إن “المهربين يطورون أساليبهم ويعملون بإفلات من العقاب على بعد أمتار قليلة من الجمارك، بينما تعاني قوات الأمن من نقص حاد في الموارد والدعم المؤسسي.”
ويقول خبراء أمنيون: “هذه القضية تكشف عن فجوة كبيرة في التنسيق الأمني بين المغرب وإسبانيا، فبالرغم من وجود اتفاقيات للتعاون الأمني، إلا أن التنفيذ على أرض الواقع لا يزال دون المستوى المطلوب.”