أصدر الكاتب والإعلامي البارز محمد زيتوني، أحد أبرز كتّاب مجلة “كل العرب”، كتابًا جديدًا بعنوان “تجارب الحكم الذاتي حول العالم: ما بين نجاح الوحدوية وانتكاسات أطروحات الانفصال”، يتناول فيه بالتحليل والمقارنة مفهوم الحكم الذاتي كآلية فعالة لحل النزاعات الإقليمية.
يقدم الكتاب دراسة شاملة لمفهوم الحكم الذاتي بدءًا من تعريف مبادئه الأساسية، مرورًا بتطبيقاته العملية، ووصولًا إلى تجارب مختلف الدول التي اعتمدته كآلية لفض النزاعات وتعزيز الهوية الثقافية وتحقيق التنمية.
يشير زيتوني في كتابه إلى أن الحركات الانفصالية لم تظهر كإطار نظري سياسي إلا في سبعينيات القرن الماضي، مع نهاية الاستعمار وتحقيق استقلال أغلب دول الجنوب والشرق الأوسط. ويرتبط هذا الظهور بمبدأ تقرير المصير الذي تم تكريسه في المبادئ الأربعة عشر لوودرو ويلسون عام 1918، وميثاق الأمم المتحدة سنة 1945، وإعلان حقوق الشعوب المستعمرة 1960، وميثاق الحقوق السياسية والمدنية 1966.
ويوضح الكاتب كيف استغلت الدول الاستعمارية هذا المبدأ لضمان مصالحها من خلال تهديد الدول بالتفتيت وتحريض الأقليات للمطالبة بالانفصال، مما جعل العديد من الدول حديثة الاستقلال في وضعية “بين المنزلتين” – لا هي مستقلة استقلالًا حقيقيًا، ولا هي مستعمرة بشكل مباشر.
يعرّف زيتوني الحكم الذاتي بأنه “أرقى وأنجح خيارات وحلول النزاعات الإقليمية التي وصلت إليها أنظمة الحكم ضمن القوانين والدساتير الدولية، للحد من الحروب والصراعات والتطاحنات العنيفة والهدامة من أجل السلم وتهدئة الأوضاع.”
ويستعرض الكتاب نماذج ناجحة للحكم الذاتي في العالم، منها:
– منطقة الباسك في إسبانيا: تتمتع بحكم ذاتي موسع، ولها برلمانها الخاص وحكومة محلية تدير شؤونها الداخلية.
– **اسكتلندا في المملكة المتحدة**: تتمتع بحكم ذاتي ولها برلمانها الخاص، بينما تبقى السياسة الخارجية والدفاع بيد الحكومة المركزية البريطانية.
– إقليم جنوب تيرول في إيطاليا: نموذج آخر للحكم الذاتي الناجح.
– إقليم أتشيه في إندونيسيا: تجربة آسيوية للحكم الذاتي.
يدعو زيتوني في كتابه إلى التقارب المغربي الجزائري وحل قضية الصحراء المغربية على أساس مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو المقترح الذي حظي بدعم دولي كبير.
كما يتناول الكتاب التحولات السريعة التي يشهدها العالم وما يرافقها من صراعات في مناطق مختلفة، مثل فلسطين وأوكرانيا والشرق الأوسط، في ظل توسيع نفوذ القوى العظمى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى).
ويحلل الكاتب دور إيران في المنطقة العربية، وسعيها لتأكيد مكانتها كقوة إقليمية من خلال استراتيجيات متعددة.
يختتم زيتوني كتابه بالدعوة إلى اعتماد أحدث الأساليب وأنجعها لتجنيب الدول النزاعات الداخلية، وتفويت الفرص على أطماع الدول الإمبريالية، وبناء مجتمعات متوازنة ومتقدمة يسودها السلم والتعايش.
ويؤكد الكتاب أن خيار الحكم الذاتي يظل الخيار السياسي الأنجع في حل النزاعات الإقليمية المختلفة، مع الحفاظ على وحدة الدول وسيادتها.
