في الثامن من شتنبر 2023، ضرب زلزال مدمر منطقة الحوز بالمغرب، مخلفاً وراءه خسائر بشرية ومادية فادحة هزت الوجدان الوطني والدولي. توحدت الجهود حينها، وتعالت الأصوات المطمئنة، واعدة بإعادة إعمار سريعة وشاملة للمناطق المنكوبة، وبتدخل استثنائي يليق بحجم الكارثة.
لكن بعد مرور أكثر من سنة ونصف على الفاجعة، يبدو أن الزلزال الطبيعي قد تحول إلى زلازل متعددة – اجتماعية وسياسية وحقوقية – تضرب في عمق الثقة بين المواطن والمؤسسات. فبينما تتوالى الفصول، من شتاء قارس إلى صيف لاهب، لا تزال مآسي الضحايا تتوالى معها، وخيامهم البلاستيكية المؤقتة تتحول إلى سكن دائم، تغمرها مياه الأمطار تارة، وتحاصرها الثلوج تارة أخرى، وتلهبها أشعة الشمس في أوقات أخرى.
المفارقة المؤلمة أن الخطاب الرسمي ما زال يتحدث عن نجاحات متتالية في عمليات إعادة الإعمار، بينما تكشف الصور والفيديوهات المتداولة وشهادات الضحايا عن واقع مغاير تماماً، واقع مليء بالمعاناة والإهمال وخيبات الأمل. بل وتجاوزت المأساة حدودها الأولى لتصل إلى اعتقال ومحاكمة من يجرؤ على كشف هذا الواقع أو الاحتجاج عليه. تماشيا مع الموضوع كشف محمد حفيظ عن واقع ساكنة الحوز، ومما جاء في تدوينته:
خلال الأيام الأخيرة، توالى نشر أخبار صحافية وفيديوهات مصورة عن استمرار معاناة ضحايا زلزال الحوز، تعكس الحالة المزرية التي ما يزالون يعيشونها إلى اليوم، رغم مرور أكثر من سنة ونصف على وقوعه.
وهذه عينة فقط من عناوين هذه الأخبار والفيديوهات:
– مأساة ضحايا زلزال الحوز متواصلة تحت الخيام مع البرد والأمطار والثلوج.
– “حنا كنتكرفسو”.. الأمطار والبرد يفاقمان مآسي “ساكنة الخيام” من متضرري زلزال الحوز.
– الثلوج تحاصر من جديد خيام ضحايا الزلزال واستنكار متواصل للتهميش وإخلاف الوعود.
– الشتاء داخل الخيام.. حيث يصبح الانتظار أكثر قسوة من الزلزال.
– الأمطار تفافم معاناة المتضررين من زلزال الحوز القاطنين في الخيام.
– ثلوج كثيفة تحاصر خيام متضرري زلزال الحوز وسط دعوات لاحتواء الوضع.
– متضررو الزلزال يقضون رمضانا آخر وسط خيام أغرقتها الأمطار ويناشدون الملك للتدخل.
– ضحايا زلزال الحوز.. كيفاش تعليمات ملكية مطبقاتش؟
الواقع على الأرض، والجبال أيضا، يكشف أن هذا الزلزال مستمر باستمرار مآسي ضحاياه الذين طالت إقامتهم داخل خيام بلاستيكية أكثر من اللازم، وهي المآسي التي تتفاقم عند سقوط الثلوج وما يرافقها من برد قارس، بل تتفاقم حتى في الصيف بارتفاع درجات الحرارة، كما جاء على لسان إحدى المتضررات.
الأمر، إذن، لا يتعلق بكارثة طبيعية وما خلفته من قتلى وجرحى وخسائر في الممتلكات، بل بكارثة سياسية؛ كارثة التدبير الذي أخلف الوعود التي أطلقتها الدولة في إطار برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة. فلا جميع القرى المتضررة تمت إعادة تأهيلها، ولا جميع المتضررين استفادوا من إعادة بناء مساكنهم التي دمرها الزلزال. هذه الكارثة السياسية لا تخفى على أحد ويشتد هولها بتوالي الشهور.
والأكثر من ذلك والأخطر، أننا أصبحنا أمام كارثة حقوقية، باعتقال ومحاكمة نشطاء من ضحايا الزلزال كانوا ينقلون معاناة الساكنة المتضررة، ويحتجون على التأخر في عملية إعادة الإعمار، وينتقدون الاختلالات التي شابتها، ويطالبون بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.
فبإصدار الحكم على سعيد آيت مهدي، رئيس التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز، بسنة حبسا نافذا، وإدانة ثلاثة نشطاء آخرين من الضحايا بأربعة أشهر حبسا نافذا لكل واحد منهم، يكون القضاء ببلادنا قد أضاف لائحة أخرى إلى لوائح معتقلي الحراكات الاحتجاجية ومعتقلي الرأي وحرية التعبير، تحمل اسم “معتقلي زلزال الحوز”.
كنت، قبل سنة ونصف، ومباشرة عقب الإعلان عن برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز، قد كتبت مقالة بعنوان “زلزال الحوز.. حتى لا يتسلل الفساد إلى برنامج إعادة الإعمار”، نشرتها على الصحيفة الإلكترونية “أنفاس بريس”.
ذكرني بها الزلزال المستمر بارتداداته الاجتماعية والسياسية والحقوقية.. وارتأيت أن أعيد نشرها.