الرئيسية / نبض المجتمع / عين على واقعة أهرمومو: عندما يتحول الغلاء إلى شرارة الاحتقان الاجتماعي

عين على واقعة أهرمومو: عندما يتحول الغلاء إلى شرارة الاحتقان الاجتماعي

نبض المجتمع
راوية الذهبي 11 مارس 2025 - 13:00
A+ / A-

تشهد الأسواق المغربية، في الآونة الأخيرة، موجة غير مسبوقة من الغلاء، باتت ترهق كاهل المواطن وتختبر حدود صبره. ولم يعد ارتفاع الأسعار مجرد ظاهرة اقتصادية تخضع لمنطق العرض والطلب، بل تحول إلى عامل مركزي في صياغة التوازنات الاجتماعية وإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع.

الاحتجاجات التي اندلعت في السوق الأسبوعي لمدينة رباط الخير (أهرمومو) ليست إلا صورة مكثفة لهذا المشهد المتأزم، حيث لم يعد الغضب الشعبي مقتصرًا على الشكوى والتذمر، بل تجسد في حراك مباشر، اتخذ طابعًا احتجاجيًا غير مألوف، امتد إلى مقاطعة التجار ومنعهم من تسويق بضائعهم، بل وحتى إفسادها في بعض الحالات، في تعبير رمزي عن فقدان الثقة في المنظومة الاقتصادية ككل.

ما حدث في أهرمومو ليس مجرد حادث معزول، بل هو مؤشر على أن الأزمة الاقتصادية، حين تبلغ مستويات تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للأفراد، تتحول إلى عامل ديناميكي يعيد تشكيل الوعي الجماعي، فالمجتمعات، بطبيعتها، قادرة على التكيف مع الأوضاع الصعبة، لكنها حين تدرك أن هذه الأوضاع ليست نتاجًا حتميًا لعوامل اقتصادية موضوعية، بل نتيجة لممارسات احتكارية أو تواطؤ بين القوى الاقتصادية والسياسية، فإن ردة الفعل تتخذ منحى تصاعديًا.

الغضب هنا لم يعد موجهًا فقط نحو ارتفاع الأسعار، بل نحو من يُ perceived بأنهم يستفيدون من هذا الوضع على حساب الأغلبية، وهو ما يجعل الأزمة الاقتصادية تتداخل مع الشعور بالغبن الاجتماعي، مما يؤدي إلى احتقان قد يتطور إلى موجات احتجاجية أكثر شمولية وتعقيدًا.

من الناحية السياسية، لا يمكن فصل هذه الاحتجاجات عن مفهوم الشرعية الاقتصادية، فالدول الحديثة لم تعد تستمد مشروعيتها فقط من المؤسسات الدستورية أو الخطابات الأيديولوجية، بل أصبحت القدرة على تحقيق التوازن الاقتصادي وضمان حد أدنى من العدالة الاجتماعية عنصرًا حاسمًا في استقرارها، وحين تفقد الدولة السيطرة على السوق، أو تبدو عاجزة عن ضبط الأسعار، فإن ذلك يُنظر إليه كدليل على ضعف قدرتها التدبيرية، مما يُضعف ثقة المواطنين في مؤسساتها، ويفتح المجال أمام أشكال جديدة من التعبير السياسي قد تتجاوز الأطر التقليدية.

التاريخ الحديث مليء بالنماذج التي تكشف أن الأزمات الاقتصادية كانت دومًا مقدمة لأزمات سياسية كبرى. فالاحتجاجات التي بدأت بمطالب اجتماعية واقتصادية كثيرًا ما تحولت، في سياقات متعددة، إلى مطالب سياسية جذرية، سواء بسبب غياب قنوات فعالة للحوار، أو بسبب فشل السياسات العمومية في تقديم إجابات مقنعة.

والمغرب، رغم خصوصياته السياسية والاجتماعية، ليس بمعزل عن هذه القاعدة، خاصة أن الاحتجاجات ذات الطابع المعيشي شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا، من الريف وجرادة إلى أهرمومو، مرورًا بحملات المقاطعة الاقتصادية التي هزت السوق الداخلي.

في ظل هذا الوضع، يصبح من الضروري أن تعيد الدولة النظر في مقاربتها الاقتصادية، ليس فقط عبر وضع آليات لضبط الأسعار، بل أيضًا من خلال معالجة الاختلالات البنيوية التي تجعل السوق خاضعًا لمنطق المضاربات والاحتكار، كما وان الاقتصار على التدخلات الظرفية، دون تقديم حلول جذرية، قد يؤدي فقط إلى احتواء مؤقت للأزمة، دون معالجة الأسباب العميقة التي تؤججها.

إن الاحتقان الاجتماعي الناتج عن الغلاء ليس مجرد أزمة معيشية، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الدولة على الحفاظ على تماسكها الداخلي، وضمان استمرار شرعيتها الاجتماعية. فالأسواق ليست فقط أماكن للتبادل الاقتصادي، بل هي مساحات تعكس ديناميات السلطة والتوازنات الاجتماعية، وحين تتحول إلى ساحات للمواجهة، فإن ذلك مؤشر على تحول في علاقة المواطن بالمؤسسات، قد تكون له تداعيات سياسية بعيدة المدى.

إن ما جرى في أهرمومو لا ينبغي أن يُقرأ كحدث عابر، بل كتحذير جدي من أن الاحتقان الاجتماعي حين يصل إلى نقطة معينة، لا يعود بالإمكان احتواؤه بأساليب تقليدية، بل يصبح بحاجة إلى رؤية شمولية تعيد الاعتبار للبعد الاجتماعي في السياسات الاقتصادية، وتحقق توازنًا حقيقيًا بين متطلبات السوق وحقوق المواطن في العيش الكريم.

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة