أثار الباحث في التاريخ والآثار والتراث، يوسف المساتي، في حواره مع موقع “فبراير.كوم”، تساؤلات جريئة حول طبيعة العلاقة بين المغرب والإمبراطورية الرومانية، متحديًا السردية التاريخية التقليدية التي طالما اعتُبرت بديهية.
وطرح المساتي أسئلة حول مدى النفوذ الروماني الحقيقي في المغرب، وشكك في التفسيرات السائدة حول دور الملوك المغاربة مثل يوبا الثاني وبطليموس.
وانطلق المساتي من فكرة أن المصادر التاريخية التي اعتُمد عليها في فهم هذه العلاقة كانت في الغالب مصادر رومانية، وبالتالي فهي حملت رؤية أحادية الجانب.
وأشار إلى أن الباحثين الأثريين الفرنسيين الأوائل الذين عملوا في المغرب، مثل “تيسو”، كانوا مدفوعين بمشروع مسبق لإثبات توسع الإمبراطورية الرومانية في المغرب، مما جعل سرديتهم التاريخية محط تساؤل.
وتناول المساتي شخصية يوبا الثاني، الذي صورته المصادر الرومانية كملك موالٍ لروما، تربى في أحضان الثقافة اللاتينية. لكن المساتي كشف عن تناقضات في هذه الصورة، مشيرًا إلى أن يوبا الثاني كان محبًا للثقافة الإغريقية والبونيقية، وشجعها أكثر من اللاتينية، كما لفت الانتباه إلى أن يوبا الثاني وزوجته كليوباترا سيليني أدخلا عناصر ثقافية مصرية إلى المغرب، مثل عبادة إيزيس، وحتى اسم ابنهما بطليموس كان مستوحى من البطالمة في مصر وليس من الرومان.
وطرح المساتي نقطة أخرى مهمة تعلقت بإصدار يوبا الثاني وبطليموس لعملة ذهبية، وهو أمر لم تكن الإمبراطورية الرومانية تسمح به للممالك التابعة لها، متسائلا: هل كان هذا دليلًا على وضع اعتباري مميز للمغرب؟ أم أنه أشار إلى درجة من الاستقلالية لم يتم الاعتراف بها في السردية التقليدية؟
وتطرق المساتي إلى اغتيال بطليموس على يد الإمبراطور الروماني كاليجولا، وشكك في التفسير التقليدي الذي ربط الاغتيال بالغيرة من ملابس بطليموس الأرجوانية، مستعرضا فرضية أخرى مفادها أن كاليجولا ربما خشي من طموح بطليموس، الذي كان مرشحًا لخلافته في حكم الإمبراطورية، خاصة وأن العديد من الأباطرة الرومان كانوا من أصول شمال أفريقية.
ودعا المساتي في ختام حواره إلى إعادة قراءة التاريخ بعين ناقدة، والتخلي عن البديهيات التي طالما وجهت فهمنا للعلاقة بين المغرب وروما. وأكد على ضرورة مساءلة المصادر التاريخية، وإعادة تفسير الأدلة الأثرية في ضوء هذه التساؤلات الجديدة.
واختتم المساتي بالتأكيد على أن الأمر لم يتعلق بنفي أو إثبات التبعية لروما، بل بإعادة النظر في طبيعة هذه العلاقة، وربما اكتشاف حقائق جديدة لم تكن متوقعة، مثل إمكانية أن يكون المغرب قد حكم الإمبراطورية الرومانية في فترة من الفترات.