في حلقة جديدة ضمن سلسلة “ما لم يُرو”، كشف الباحث في التاريخ والتراث يوسف الموساتي عن تفاصيل مثيرة حول الحضور المغربي العريق في مصر، وتأثيره على مختلف مناحي الحياة السياسية والثقافية والدينية والرياضية المصرية عبر العصور.
يؤكد الموساتي أن الحضور المغربي في مصر يعود لفترات ما قبل التاريخ، مشيرًا إلى أن المصطلح “المغربي” في سياق حديثه يشمل المنطقة الممتدة من ليبيا إلى المغرب الأقصى، وهي ما كانت تعرف تاريخيًا بـ”بلاد المغرب” أو “المغاربيين”.
ويستشهد الباحث بالنقوش الفرعونية التي تشير إلى “الليبيين” أو “التمحو” أو “التحنو”، وهي إشارات إلى القبائل المغاربية التي كانت على تواصل دائم مع مصر القديمة، سواء في علاقات تعاون أو صراع.
من أبرز الأمثلة التي يقدمها الموساتي على النفوذ المغربي في مصر القديمة هو الفرعون شيشناق، الذي أسس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين. ويضيف أن القبائل المغربية استقرت في مصر وتم استخدامها في الجيش المصري، حتى أصبح المغاربة في بعض الفترات أكثر عددًا من الجنود المصريين أنفسهم.
ويشير إلى أن المغاربة شغلوا وظائف الحرس الخاص للفرعون وتقلدوا أرقى المناصب بما فيها مناصب الكهنة، مما منحهم أدوارًا مهمة في الحياة السياسية المصرية. ويذكر أن هناك أسرًا فرعونية أخرى من أصول مغربية حكمت مصر، مثل الأسرة السادسة والعشرين (الأسرة الصاوية) والأسرة السابعة والعشرين، وقد حكمت كل منهما حوالي 150-200 سنة.
يفاجئ الموساتي المستمعين بمعلومة صادمة، إذ يقول: “إلى وقت قريب كان يُعتقد أن آمون هو إله فرعوني مصري خالص… ولكن تُلقى في النقوش الصخرية التي ترجع إلى 5000 سنة – أي قبل حتى الأسر الفرعونية الحاكمة – هذا النقش عندنا في المغرب، وعندنا آمون، وعندنا هذا الاسم حرفيًا”.
ويضيف أن اكتشافات أثرية أثبتت أن معظم الآلهة المصرية الشهيرة مثل آمون وحورس وست وإيزيس وتانيت (التي تحولت إلى نايت عند المصريين) هي في الأصل آلهة مغربية انتقلت إلى مصر. ويستشهد بمدينة “سايس” المصرية المخصصة لعبادة “نايت” وكيف أن اسمها مرتبط بكلمة “سيس” أو “أسايس” في اللهجات الأمازيغية والتي تعني “الساحة”.
يشير الموساتي إلى أن المغاربة لعبوا دورًا أساسيًا في الدفاع عن استقلال مصر ضد الغزو الفارسي، ويذكر قائدًا اسمه “أمازيس” قاد الثورة ضد الاحتلال الفارسي لمصر الفرعونية.
كما يستحضر نموذجًا للعلاقات المصرية المغربية من خلال زواج الملك المغربي يوبا الثاني من كليوباترا سيليني (ابنة كليوباترا المصرية الشهيرة) اللذين حكما المغرب انطلاقًا من مدينة وليلي وأنجبا ابنًا اسمه بطليموس، مشيرًا إلى أن وليلي كانت تُعرف بـ”قصر فرعون”.
يؤكد الموساتي أن الحضور المغربي استمر بقوة في العصر الإسلامي، مشيرًا إلى أن قبيلة كتامة المغربية لعبت دورًا محوريًا في مساندة الدولة الفاطمية في مصر، وساهمت في بناء مدينة القاهرة وتأسيس الجامع الأزهر.
ويضيف أن معظم الأولياء والمتصوفة المشهورين في مصر هم من أصول مغربية، مثل الشاذلي والمرسي أبو العباس والسيد البدوي، مقدرًا نسبتهم بحوالي 90% من إجمالي الأولياء المصريين.
يبرز الموساتي دور المغاربة في مقاومة الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على مصر (1798-1801)، موضحًا أنهم قادوا المظاهرات وحملات التحرير ضد الاحتلال الفرنسي، مما دفع نابليون إلى إصدار أمر بترحيل جميع المغاربة من مصر بسبب خطورة تأييدهم للمقاومة.
من المعلومات المثيرة التي يكشفها الموساتي أن مؤسس النادي الأهلي المصري (أحد أشهر الأندية الرياضية في العالم العربي) هو من أصول مغربية، حيث تنتمي أسرته إلى أسرة مغربية استقرت في مصر في عهد محمد علي باشا، وكانت معروفة بنفوذها في مجالات التجارة والعلم.
كما يشير إلى معلومات غير مؤكدة بالكامل عن أصول مغربية لشخصيات مصرية بارزة أخرى مثل مؤسس بنك مصر طلعت حرب، ورائد السينما المصرية.
يذكر الموساتي أن مصطفى كامل، أحد أبرز قادة الحركة الوطنية المصرية في بداية القرن العشرين والمعروف بخطبه النارية ضد الإنجليز، ينحدر من قبيلة كتامة المغربية.
كما يشير إلى أسماء أخرى في مجالات الفن والإعلام والموسيقى مثل المطرب محمد الحلو الذي ينحدر من أصول مغربية، موضحًا أن هناك عائلات مصرية تحمل أسماء مغربية مثل الحلو والشاذلي.
ويختم الموساتي حديثه بالإشارة إلى أن الثقافة المغربية تركت بصماتها في مصر، مستشهدًا بأن فن الزليج في مصر لا يزال يُعرف باسم “الزلزلي” (نسبة إلى زليجي)، لأن هذه الصناعة انتقلت إليهم من المغرب.
ويؤكد الباحث أن ما تطرق إليه هو فقط “السطح”، وأن هناك تفاصيل كثيرة أعمق عن الحضور المغربي في مصر والمنطقة العربية ككل لا تزال تنتظر المزيد من البحث والتنقيب.