الرئيسية / نبض المجتمع / هل القرويين حقاً أقدم جامعة؟ المساتي يشكك في المعايير ويسلط الضوء على "فجوة الأربعة قرون"

هل القرويين حقاً أقدم جامعة؟ المساتي يشكك في المعايير ويسلط الضوء على "فجوة الأربعة قرون"

موساتي
نبض المجتمع
فبراير.كوم 31 مارس 2025 - 22:00
A+ / A-

قدم يوسف المساتي، الباحث المتخصص في التاريخ والآثار والتراث، قراءة نقدية لسرديات راسخة تتعلق بتاريخ مدينة فاس وجامعة القرويين، داعياً إلى تجاوز ما أسماه “أساطير التأسيس” والنظر بعمق في الأدلة المادية والسياقات التاريخية المتعددة.

وسلط المساتي، خلال خديثه مع موقع “فبراير.كوم”، الضوء بشكل خاص على الدور المحتمل للدولة المرينية في تشكيل هذه الروايات التاريخية التي استمرت لفترة طويلة.

وفيما يتعلق بجامعة القرويين، أشار المساتي إلى أن وصفها بـ “أقدم جامعة في العالم” يتطلب تدقيقاً، حيث تختلف معايير تحديد مفهوم “الجامعة” بين الثقافات والعصور.

ورغم هذا التحفظ المنهجي، أقرّ الباحث بالميزة الجوهرية للقرويين المتمثلة في انفتاحها المبكر على طيف واسع من العلوم، شملت المنطق والرياضيات والعلوم “الحقة” بالمفهوم المعاصر، إلى جانب العلوم الدينية الأساسية، وذلك في زمن متقدم مقارنة بنظيراتها كجامع الزيتونة أو الأزهر الشريف.

ويرى المساتي أنه بتطبيق معايير التعليم السائدة في تلك الحقبة، يمكن بالفعل اعتبار القرويين من بين أقدم المؤسسات التعليمية العليا في العالم وفقاً لتلك المقاييس الخاصة.

لكن التعقيد يزداد عند تناول قصة تأسيسها المنسوبة إلى فاطمة الفهرية. فرغم جمالية القصة وإلهامها، حيث تروي كيف قامت فاطمة وأختها مريم، بعد ورثتهما لثروة كبيرة، ببناء جامعي القرويين والأندلس تطوعاً، يضع المساتي علامات استفهام تاريخية جادة. المشكلة المحورية، حسب الباحث، هي الغياب التام لذكر فاطمة الفهرية في المصادر المغربية والأندلسية المبكرة لمدة تقارب أربعة قرون بعد التاريخ المفترض للتأسيس في القرن التاسع الميلادي، حيث لم تظهر هذه الرواية إلا في العصر المريني.

ومما يزيد الأمر التباساً، حسب المساتي، هو اكتشاف لوحة خشبية تأسيسية في المحراب الأصلي للقرويين خلال أعمال ترميم فترة الحماية، تشير بوضوح إلى أن الجامع أُسس بأوامر وتحت إشراف الأمير داوود الإدريسي.

هذا الدليل المادي المباشر يطرح تساؤلاً حاسماً حول أيهما أقرب للحقيقة: الأثر المادي أم الرواية المتأخرة ذات الصبغة الأيديولوجية المحتملة؟ يميل المساتي إلى الاعتقاد بأن الدولة المرينية ربما كانت بحاجة لهذه السردية لتعزيز ارتباطها بفاس وأهلها، وقد يكون في القصة رمزية لحضور المرأة في المخيال الديني أو محاولة لربط مؤسسة القرويين بشخصية نسائية توازي رمزياً مكانة الصحابيات، تماشياً مع رفع المرينيين لمقام الأدارسة.

ويمتد هذا النهج النقدي ليشمل أسطورة تأسيس مدينة فاس نفسها. فالرواية المرينية الشائعة، المليئة بالعناصر الدرامية كرؤيا إدريس الثاني ولقائه بالراهب الذي تنبأ بمستقبل المدينة العلمي، يعتبرها المساتي “ملهمة ولكنها تاريخياً إشكالية”. ويشير إلى أن المصادر الأقدم من العصر المريني تقدم صورة أكثر تعقيداً وتضارباً: فبعضها ينسب تأسيس جزء من المدينة (عدوة الأندلس) لإدريس الأول، والجزء الآخر (عدوة القرويين) لابنه إدريس الثاني، مما يوحي ببداية تأسيس سابقة للتاريخ الرسمي المتداول (192 هـ). كما تتحدث روايات أخرى عن مدينتين منفصلتين، ربما لم يتم توحيدهما إلا لاحقاً.

وتدعم الشكوك أدلة أثرية، مثل إشارة المستشرق ليفي بروفنسال لوجود قطع نقدية تسبق التاريخ الرسمي للتأسيس، إضافة إلى غياب اسم “فاس” عن النقود الإدريسية المبكرة وظهور اسم “العالية” بدلاً منه، وهو ما يفتح باب التأويل حول إمكانية كونه اسماً للعدوتين معاً، ربما نسبةً لعلي بن أبي طالب تماشياً مع الانتماء الإدريسي.

ويستبعد المساتي شخصياً فكرة نشأة مدينة بموقع استراتيجي كفاس “من فراغ”، مقترحاً أنها، كغيرها من العواصم التاريخية المغربية، تطورت على الأرجح فوق موقع كان مأهولاً بالسكان قبل العصر الإدريسي، وإن كانت هذه الفترة قد شهدت ازدهارها الكبير. ويقر بأن غياب حفريات أثرية عميقة تحت الطبقات الإدريسية يبقي الأمر مفتوحاً للنقاش العلمي.

في المحصلة، يخلص يوسف المساتي إلى أن السرديات المهيمنة، خاصة تلك التي تبلورت في العهد المريني حول تأسيس كل من القرويين وفاس، قد تكون نتاجاً لظروف تاريخية معينة وخدمت أغراضاً سياسية وأيديولوجية لتلك الفترة، وربما أدت إلى تهميش روايات وحقائق تاريخية أخرى سابقة عليها. وهو ما يستدعي، حسب الباحث، مواصلة البحث والنقد التاريخي لفهم أعمق وأكثر دقة لتاريخ المغرب بعيداً عن الأساطير المؤسسة.

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة