هل تتجه المدارس العمومية في المغرب نحو أزمة جديدة؟
تلوح في الأفق بوادر أزمة جديدة داخل قطاع التعليم العمومي بالمغرب، مع عودة التوتر بين النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، حيث تتهم النقابات الوزارة بـ”المماطلة” و”التسويف” في تنفيذ بنود اتفاقات تم التوصل إليها أواخر العام الماضي، مما يهدد استقرار الموسم الدراسي الحالي.
وفي بيان مشترك، عبرت النقابات الخمس عن رفضها لما وصفته بـ”سياسة التمطيط”، محملة الحكومة والوزارة مسؤولية “الانقلاب” على اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، معتبرة أن هذا التأخير يمثل “انتقاماً” من الحراك التعليمي الذي شهده القطاع سابقاً، والذي أدى إلى شلل جزئي للمؤسسات التعليمية في فترات متقطعة.
وتجدد الاحتقان رغم تأكيد الوزارة في اجتماعات سابقة التزامها بتنزيل مخرجات الاتفاقات المذكورة، والإشارة إلى تحقيق تقدم ملحوظ تجاوز 80% في تطبيق مقتضيات النظام الأساسي الجديد، كما سبق أن عقدت الوزارة اجتماعات مع النقابات في فبراير الماضي لمتابعة التنفيذ، مؤكدة على أهمية استمرار الحوار كآلية أساسية لحل الخلافات.
مخاوف من التصعيد
وتثير هذه التطورات المتلاحقة، مدى فعالية الحوار القطاعي وقدرته على احتواء الأزمة، حيث أشارت مصادر نقابية إلى أن الحوار يعاني من “تعثر واضح”، وأن عدم التزام الوزارة بتنفيذ جميع بنود اتفاق 26 دجنبر، خاصة تلك التي تهم فئات واسعة من نساء ورجال التعليم، هو السبب الرئيسي للتوتر الحالي.
وتؤكد ذات المصادر أن النقابات وجهت مراسلة رسمية للوزارة تطالب فيها بعودة الحوار “الجدي والمسؤول” والإسراع بتنفيذ الالتزامات دون تأخير. ورغم التأكيد على أن الحوار يظل الخيار المفضل، تلمح النقابات إلى أن جميع الخيارات النضالية، بما في ذلك العودة للاحتجاج في الشارع وشل الدراسة، تبقى مطروحة في حال استمرار ما تعتبره “مماطلة”.
ومن المنتظر أن تجتمع الهيئات النقابية قريباً لتحديد الخطوات المستقبلية بناءً على رد الوزارة.
تحليلات وسيناريوهات
ويرى مهتمون بالشأن التربوي أن البيان النقابي الأخير يعكس عودة التنسيق بين النقابات بعد فترة من التباين، وقد يكون لنشر قانون الإضراب الجديد في الجريدة الرسمية دور في هذا التقارب، مشيرين إلى أن بعض النقابات قد تسعى لاستغلال الفترة المتبقية قبل دخول القانون حيز التنفيذ لتكثيف الضغط، بينما قد تراهن الحكومة على عامل الوقت حتى يصبح تنظيم الإضرابات أكثر تقييداً.
ويتوقع مهنبون أن يشهد الحوار الاجتماعي بعض الجمود، خاصة مع اقتراب مواعيد انتخابية واحتمال تردد الحكومة في تحمل تكاليف مالية إضافية قد تترتب عن تلبية جميع المطالب العالقة، ومع ذلك، قد يحد استفادة بعض الفئات من مقتضيات النظام الأساسي الجديد التي تم تفعيلها من حجم التعبئة المحتملة مقارنة بالاحتجاجات السابقة.
قلق الأسر والتلاميذ
في خضم هذه الأزمة، يعبر التلاميذ وأسرهم، عن قلقهم البالغ من تكرار سيناريو الإضرابات وتأثيره السلبي على التحصيل الدراسي، وتؤكد فعاليات ممثلة لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ في هذا الصدد، أن أي توقف جديد للدراسة سيزيد من تفاقم أزمة “زمن التعلم المهدور” ويقوض جهود إصلاح المنظومة التربوية وجودة التعليم من داخل المدارس العمومية.
ووجهت هذه الفعاليات نداء عاجلا لجميع الأطراف لتغليب المصلحة العليا للتلاميذ، وفتح قنوات حوار جادة ومسؤولة لتجاوز الخلافات وتجنب أي تصعيد قد تكون له كلفة باهظة على مستقبل المتعلمين، مشددة على أن استقرار المنظومة التربوية وتحقيق تكافؤ الفرص يتطلب توافقا وتراجعا عن “التعنت” من كلا الجانبين، لأن التلميذ هو المتضرر الأكبر في نهاية المطاف.