مع حلول فصل الربيع كل عام، يتحول الجو في المغرب إلى لوحة طبيعية خلابة تزينها الأزهار وتغرد فيها الطيور، لكن وراء هذه الصورة الجميلة، تكمن معاناة حقيقية يعيشها آلاف المغاربة الذين يعانون من حساسية الربيع الموسمية.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور عبد العزيز عيشان، الأخصائي في أمراض الحساسية والجهاز التنفسي، في حديث لموقع “فبراير.كوم”، طبيعة حساسية حبوب اللقاح المنبعثة من الأشجار والنباتات، والتي تبلغ ذروتها عادةً في شهري مارس وأبريل، مشيراً إلى أن تأخر الأمطار هذا العام قد يمدد فترة انتشارها حتى شهر يونيو.
تحدث هذه الحساسية، كما يبين الدكتور عيشان، نتيجة رد فعل مناعي لدى فئة معينة من الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للحساسية، وذلك عند استنشاق أو ملامسة حبوب اللقاح الدقيقة جداً (“البذرة”) التي تدخل الجسم عبر العينين، الأنف، أو الفم.
وتختلف مصادر حبوب اللقاح المسببة للحساسية باختلاف المناطق، حسب الأخصائي، ففي مناطق مثل مراكش ومكناس وبني ملال وأكادير، تعتبر حبوب لقاح شجر الزيتون مسبباً رئيسياً، وتكون ذروتها في أبريل وماي.
بينما في مناطق أخرى كالدار البيضاء والشاوية، تنتشر حساسية حبوب لقاح الحشائش (الكراميني)، وأكد الدكتور أن أي شجرة أو نبتة، بما في ذلك النخيل في المناطق الصحراوية، يمكن أن تسبب الحساسية.
وتتشابه بعض أعراض حساسية الربيع مع نزلات البرد، مما يسبب التباساً لدى الكثيرين، إلا أن الدكتور عيشان يشدد على فروق جوهرية، فحساسية حبوب اللقاح لا يصاحبها عادة ارتفاع في درجة الحرارة أو صداع أو آلام في المفاصل، وهي أعراض شائعة في نزلات البرد الفيروسية.
بدلاً من ذلك، يضيف البروفيسور عيشان، تتركز أعراض الحساسية الموسمية في احمرار وحكة وسيلان دموع العينين (مع شعور بوجود رمل فيها وأحياناً انتفاخ)، وانسداد وسيلان مائي غزير بالأنف مع عطاس شديد ومتكرر، بالإضافة إلى احتمال حدوث سعال وضيق في التنفس وصفير بالصدر (الدقة)، خاصة في الليل.
ولتشخيص دقيق وتحديد مسبب الحساسية، يؤكد الدكتور عيشان على أهمية اللجوء إلى الطبيب المختص وإجراء تحاليل الحساسية الجلدية، هذه التحاليل تمكن من معرفة نوع حبوب اللقاح المسؤولة بدقة (زيتون، حشائش، سرو، حمضيات، وغيرها)، وتمييزها عن مسببات الحساسية الأخرى التي قد تستمر أعراضها طوال العام، مثل عث الغبار المنزلي (القرضيات)، الحيوانات الأليفة، أو الحساسيات الغذائية المتعددة، والتي لا علاقة لها بحساسية الربيع الموسمية التي تختفي أعراضها عادة بعد انتهاء الموسم.
وفيما يتعلق بالعلاج، يوضح الدكتور عيشان توفر خيارات فعالة، أولاً، العلاجات الدوائية التي تخفف الأعراض خلال الموسم، وتشمل الأقراص المضادة للهيستامين، بخاخات الأنف، وقطرات العين، وثانياً، وهو العلاج الواعد، العلاج المناعي الذي يهدف إلى تعديل استجابة الجسم وخلق مناعة ضد مسبب الحساسية.
ويتم هذا العلاج عادة عبر نقاط توضع تحت اللسان، يُبدأ بها قبل موسم الحساسية (في يناير) وتستمر لعدة أشهر على مدى سنتين أو ثلاث، وقد أثبتت فعاليتها في التخفيف بشكل كبير أو حتى إزالة الحساسية تجاه أنواع معينة من حبوب اللقاح كالزيتون والحشائش. ويحذر الدكتور من الاعتماد على العلاجات العشبية لعدم وجود دليل علمي على فعاليتها وسلامتها المحتملة. حسب الأخصائي.
وتعتبر الوقاية الكاملة من حبوب اللقاح المنتشرة في الهواء أمراً صعباً، لكن يمكن اتخاذ بعض التدابير للحد من التعرض لها، مثل ارتداء الكمامة لحماية الأنف والفم، والنظارات لحماية العينين عند التواجد في أماكن تكثر فيها الأشجار والنباتات المسببة للحساسية، كما ينصح بتهوية المنازل في الأوقات التي يقل فيها تركيز حبوب اللقاح في الجو، كالصباح الباكر جداً أو في المساء، وتجنب التهوية خلال فترات الرياح القوية التي تساهم في نشر اللقاح.
ويختتم الدكتور عيشان بالتأكيد على أن حساسية الربيع يمكن أن تظهر في أي عمر، من الطفولة المبكرة وحتى الشيخوخة، وهي ليست مرضاً معدياً.
ويشدد على أهمية الوعي بهذه الحالة، خاصة مع زيادة المساحات الخضراء، وضرورة عدم إهمال الأعراض واستشارة الطبيب.
فالإهمال قد يؤدي إلى مضاعفات، منها التهابات مزمنة في العين قد تؤثر على النظر، مشاكل في الأنف قد تصل لفقدان حاسة الشم، والأهم هو خطر تطور الحساسية الأنفية إلى ربو (الدقة)، والذي قد يكون شديداً ويتطلب علاجاً مستمراً.
لذا، يبقى التشخيص المبكر والعلاج المناسب هما السبيل الأفضل للتعامل مع حساسية الربيع.