يروي عزيز بلقاسمي، النحات العصامي ابن مدينة الرباط، قصة حياة مليئة بالتقلبات، بدأت بشغف الطفولة بالرسم والطبيعة، ومرت بتجربة هجرة قاسية في إيطاليا، لتنتهي به إلى اكتشاف ذاته من جديد من خلال فن النحت الذي أصبح ملاذه ووسيلته للتعبير ومصدر رزقه المتواضع.
وُلد عزيز بلقاسمي في الرباط عام 1968، ومنذ نعومة أظفاره، وجد نفسه منجذبًا إلى الرسم والطبيعة والحيوانات أكثر من مقاعد الدراسة. يقول: “منذ الصغر والرسم يعجبني”. هذا الشغف المبكر بالطبيعة دفعه لمغادرة المدرسة والعمل في مهن يدوية مختلفة قبل أن يقرر الهجرة إلى إيطاليا بحثًا عن مستقبل أفضل.
أمضى عزيز حوالي 15 عامًا في إيطاليا، عمل خلالها بجد في مجالات مختلفة كالفلاحة. لكن تجربة الغربة لم تكن كما تمناها، حيث تعرض لما وصفه بـ”الباطل” والظلم عندما تم تلفيق تهمة له بوضع المخدرات في جيبه، مما أدى إلى سجنه لمدة ستة أشهر. يرجع عزيز هذا الحادث إلى عنصرية واجهها، قائلاً: “عرفت أناسا عنصريين لاتوجد في قلبهم رحمة”. هذه التجربة المريرة جعلته يشعر بأنه “غريب” ودفعته للعودة إلى المغرب عام 2003.
عند عودته إلى أرض الوطن، وجد عزيز نفسه أمام واقع صعب ونقص في فرص العمل، وبدلاً من الاستسلام لليأس أو الانجراف وراء المقاهي، قرر أن يتبع شغفه القديم. بدأ في عام 2004 بشكل متواضع باستخدام “محيبقات ديال الطين” بسيطة، ولم يكن يتخيل أنه سيصل إلى المستوى الذي هو عليه الآن.
يقول عزيز: “قمت بهذه الموهبة لوحدي حتى بلغت شغفي”. أصبح النحت متنفسه وطريقته للترويح عن النفس، في ظل غياب بدائل أخرى. لم يتعلم النحت في معهد أو مدرسة، بل هو فن نابع من داخله، يعتبره “عطاء من الله”، ويحرص دائمًا على الدعاء وأن تكون أعماله، خاصة مجسمات الحيوانات، واقعية ومتقنة.
تنعكس محبة عزيز للطبيعة والحيوانات في أعماله، فهو لا يكتفي بنحت أشكال جمالية، بل يسعى أيضًا لخلق “مخابئ” للحيوانات الضالة لتحتمي بها من قساوة الطقس، انطلاقًا من إحساسه بمعاناتها.
رغم كل الصعاب، بما فيها مرارة الغربة التي يقول إنها “هرساتني”، يظل عزيز متمسكًا بفنه وعمله. يؤكد أنه اعتاد العمل الجاد ولا يشعر بالراحة بدونه، وهو عازم على الاستمرار في نحته. بالنسبة له، النحت ليس مجرد هواية أو مهنة، بل هو كيانه ووسيلته للبقاء فاعلاً ومنتجًا في الحياة.
يختم عزيز النحات حديثه قائلا: “الحمد لله على نعمة الصحة ووجود والدته بقربه بعد وفاة والده، معتبراً أن فنه هو النعمة التي عوضته عن الكثير، وهو مستمر في إبداعه.