حذر يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، من التداعيات الكبيرة للقرارات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب بشأن الرسوم الجمركية، مؤكداً أنها ليست استحداثاً لرسوم جديدة بقدر ما هي تشديد ورفع لرسوم قائمة أو فرض تسعيرات دنيا على دول كانت تتمتع باتفاقيات تبادل حر، مثل المغرب.
وفي تحليل قدمه خلال حديثه مع موقع “فبراير.كوم”، أوضح الفيلالي أن الفهم السائد بكون هذه الرسوم جديدة كلياً هو فهم خاطئ، مشيراً إلى أن “دولاً عديدة كانت لديها رسوم جمركية، وقرار ترامب هو رفع أو تشديد هذه الرسوم”.
وأضاف أن بلداناً أخرى، ومن ضمنها المغرب الذي كان يتمتع باتفاقية تبادل حر، أصبحت تواجه الآن تسعيرة جمركية، ولو بالحد الأدنى (10% في حالة المغرب).
وقدم الفيلالي أمثلة ملموسة على هذا التصعيد، مشيراً إلى أن المكسيك وكندا واجهتا زيادة من 25% إلى 50% بعد 9 أبريل، والهند من 16% إلى 26%، واليابان من 14% إلى 24%. وأبرز حالة الصين كنموذج للتوتر الحاد، حيث ارتفعت الرسوم من 34% إلى 84%، ثم قفزت إلى 104% بعد رد الصين بإجراءات مماثلة، واصفاً الوضع بـ “ارتباك تجاري كبير”.
ورغم حدة التوترات، تحفظ الفيلالي على وصفها بـ”حرب تجارية”، معتبراً أننا “لم نصل بعد إلى حرب تجارية”، لكنه أقر بوجود “توتر كبير على مستوى المبادرات التجارية”. وذكر أن تعليل ترامب لهذه الإجراءات يرتكز على رغبته في تحسين الميزان التجاري الأمريكي الذي يعاني من عجز كبير (قدره بنحو 198 مليار دولار في 2024) وتعزيز الإنتاجية المحلية.
ومع ذلك، شكك الفيلالي في فعالية هذه الاستراتيجية لتحقيق هدف تعزيز الإنتاج المحلي، قائلاً: “هذه الانتاجية المحلية اليوم ما غيمكنلهاش أنها تقوى بهذا الإجراء فقط”.
وعلل ذلك بكون العديد من الشركات الأمريكية هي شركات عالمية تنتج جزءاً كبيراً من منتجاتها خارج الولايات المتحدة (في الهند، الصين، وغيرها). وبالتالي، فإن فرض رسوم على هذه المنتجات المستوردة سيضر بهذه الشركات نفسها ويؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي.
وأوضح الفيلالي أن هذه التوترات التجارية المتصاعدة أثرت سلباً على البورصات والأسهم الدولية، مما أدى إلى حالة من “عدم اليقين والضبابية” على المستوى الدولي. هذا المناخ، بحسب الفيلالي، هو المحرك الرئيسي وراء الارتفاع الملحوظ في أسعار الذهب.
وقال: “اليوم الذهب يعتبر واحد المادة يقينية ومادة اللي الناس كيعتبروها كملاد آمن”، سواء كانوا رجال أعمال، مستثمرين، أفراداً، أو حتى البنوك المركزية التي تستثمر جزءاً من احتياطاتها في الذهب.
وأشار إلى أن هذا التوجه نحو الذهب كملاذ آمن ليس جديداً، فقد لوحظ أيضاً خلال الحرب الروسية الأوكرانية وربما خلال جائحة كورونا. ومع بقاء إنتاج الذهب مستقراً نسبياً في مواجهة هذا الطلب المتزايد، كان من الطبيعي أن ترتفع أسعاره.
وحول وضع المغرب، نبه الفيلالي إلى أن الإدارة الأمريكية تراقب عن كثب محاولات التحايل على الرسوم الجمركية. وحذر من أن استغلال شركات (صينية أو يابانية أو هندية مثلاً) للوضع الجمركي التفضيلي النسبي للمغرب (10%) لتصدير منتجاتها إلى أمريكا من خلاله، قد يأتي بنتائج عكسية.
وأضاف: “إذا الولايات المتحدة الأمريكية لاحظت هذه المسألة، فيعني قرار بسيط أنها ترفع الرسوم الجمركية بالنسبة للبلد ديال المغرب”. واعتبر أن هذا السيناريو ليس حلاً إيجابياً للمغرب أو للشركات المعنية.
وشدد الفيلالي على أن الحل الأمثل لهذه التوترات لا يكمن في البحث عن ثغرات أو حلول التفافية، بل في “المفاوضات المباشرة” و”الدبلوماسية السياسية”. ودعا الدول الصناعية الكبرى المتأثرة (الصين، اليابان، الهند وغيرها) إلى البحث عن “صيغة رابح-رابح” مع الولايات المتحدة.
وأكد أن ترامب ينفذ وعوده الانتخابية التي تضمنت رفع الرسوم تحت شعار “أمريكا أولاً”، لكنه رجح أن تدخل الإدارة الأمريكية في مفاوضات لتجنب الإضرار بالاقتصاد والشركات الأمريكية. وختم بالقول إن العودة إلى الوراء والتراجع عن مكتسبات العولمة أمر مستبعد، وأن الحل سيأتي عبر الحوار الدبلوماسي والتفاوضي المباشر للوصول إلى تفاهمات تخدم استمرارية المبادلات التجارية العالمية.