كشف المعهد المغربي لتحليل السياسات، في تقرير حديث، عن مجموعة من التحديات البنيوية التي ما زال المغرب يواجهها في مجال الأمن السيبراني، رغم الخطوات المهمة التي تم تحقيقها خلال السنوات الأخيرة، مشددًا على ضرورة تضافر الجهود لتقوية الموقف الرقمي الوطني وتعزيز قدرات البلاد في مواجهة التهديدات المتزايدة.
وسجّل التقرير أن أبرز هذه التحديات تتجلى في ضعف الوعي المجتمعي بمخاطر الفضاء السيبراني، وهو ما ينعكس على سلوكيات المستخدمين ويزيد من هشاشة الأفراد والمؤسسات أمام الهجمات. كما أشار إلى النقص الحاد في الكفاءات المتخصصة، والقيود المالية التي تعيق خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من اعتماد حلول حماية متقدمة.
ومن الإشكاليات البنيوية التي رصدها التقرير كذلك، وجود ثغرات قانونية وتنظيمية، تتمثل في غياب إطار قانوني متكامل يتماشى مع المعايير الدولية، وضعف العقوبات الزجرية، إلى جانب استمرار الاعتماد على أنظمة قديمة في البنية التحتية الحساسة.
كما لفت التقرير إلى تصاعد الهجمات السيبرانية العابرة للحدود، من بينها هجمات الفدية والاحتيال المالي والهندسة الاجتماعية، مع ما يصاحبها من صعوبة في تتبع مصادر الهجمات وتفاوت الأطر القانونية بين الدول، ما يعرقل أحيانًا التعاون الدولي في هذا المجال.
وأكد المعهد أن العديد من المؤسسات المغربية لا تتوفر بعد على خطط استجابة فعالة عند وقوع الحوادث السيبرانية، ما يؤدي إلى ارتباك وتأخر في المعالجة، وانعكاسات على السمعة والامتثال القانوني.
وفي إطار تعزيز الأمن الرقمي، أوصى المعهد بوضع استراتيجية وطنية شاملة للأمن السيبراني، وتحديد أهدافها بشكل واضح، مع إطلاق حملات تحسيسية تستهدف مختلف الفئات لتعزيز ثقافة الحذر الرقمي، إلى جانب الاستثمار في التعليم والتكوين المتخصص لخلق جيل من الخبراء في المجال.
كما شدد التقرير على ضرورة تطوير الإطار القانوني والتنظيمي بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتحفيز برامج التدريب والشهادات المهنية المعترف بها عالميًا، فضلًا عن تحديث الأنظمة بشكل دوري وإجراء اختبارات أمنية منتظمة لتقييم الجاهزية ومعالجة الثغرات قبل استغلالها.
ودعا المعهد إلى تشجيع الإبلاغ الفوري عن الهجمات لتعزيز التنسيق المؤسساتي، والاعتماد على حلول المراقبة المستمرة والتقنيات المتقدمة للكشف المبكر عن التهديدات، كما حث على دعم خاص للمقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تظل الحلقة الأضعف في منظومة الأمن السيبراني بسبب محدودية الإمكانيات.
وختم التقرير بدعوة صريحة إلى توسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات وتوحيد المعايير، مؤكدًا أن بناء فضاء رقمي آمن لا يتحقق فقط عبر التكنولوجيا، بل يتطلب ثقافة أمنية مجتمعية متكاملة، تقودها التوعية، التعليم، والتنسيق متعدد الأطراف.