فشل أم تضليل؟ ملف “الفراقشية” يثير “حرب” أرقام بين الحكومة والمعارضة
أثارت قضية ارتفاع أسعار الأضاحي خلال عيد الأضحى الماضي جدلاً واسعاً في المغرب، بسبب مابات يعرف بـ”ملف الفراقشية“، حيث وجهت انتقادات للحكومة والمعارضة على حد سواء.
وفي هذا السياق، تطرقت مريم موكريم، مديرة موقع فبراير.كوم، إلى القضية بتفصيل، مسلطة الضوء على جوانب متعددة تستدعي التساؤل والتحقيق، حلتل لقاء نظمه مؤسسة الفقيه التطواني.
وركزت موكريم على موضوع الدعم الحكومي المخصص لمستوردي الأغنام، مشيرة إلى تصريحات وزير التجهيز والماء التي تفيد بحصول 18 مستورداً على دعم بقيمة 130 مليار سنتيم لاستيراد الأغنام، إلا أن النتيجة كانت بيع الأضاحي بأسعار مرتفعة، متسائلة عن السبب وراء عدم انعكاس هذا الدعم على أسعار الأضاحي للمواطنين، وعن الأرباح “الخيالية وغير الأخلاقية” التي حققها المستوردون على حساب المستهلكين والمال العام.
ومن جهة أخرى، انتقدت موكريم رفض الأغلبية البرلمانية التوقيع على ملتمس تقصي الحقائق في هذه القضية، معتبرة ذلك مؤشراً على وجود “عراقيل” تحول دون الكشف عن الحقائق. وأكدت على أهمية إجراء تحقيق شامل وشفاف في هذه القضية، ومحاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات أو مخالفات.
ولم تسلم المعارضة من انتقادات موكريم، حيث أشارت إلى عدم قدرتها على جمع العدد الكافي من التوقيعات (ثلث أعضاء البرلمان) لتشكيل لجنة تقصي الحقائق، وفقاً للدستور، متسائلة عن جدوى تقديم ملتمس لا تتوفر له الشروط الدستورية، وما إذا كان الهدف منه هو “الاستعراض السياسي” بدلاً من السعي الجاد لكشف الحقائق.
وختمت موكريم مداخلتها بالتساؤل عن مدى فاعلية العمل السياسي في ظل هذه المعطيات، مشيرة إلى أن المعارضة قد تكون “غير قادرة” على تحقيق أهدافها في ظل القيود الدستورية والسياسية.
وتفاعلا مع الموضوع وخلال نفس اللقاء، أكد أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، أن الحكومة اتخذت قراراً مسؤولاً بدعم استيراد الأغنام لعيد الأضحى، مشيراً إلى أن هذا القرار جاء نتيجة ملاحظة إشكالية في عدد رؤوس الماشية المحلية وارتفاع أسعار اللحوم التي قفزت من 70-80 درهماً إلى 140-150 درهماً.
وفي ردّه على الجدل المثار حول المبالغ المرصودة لدعم استيراد الماشية، أوضح التويزي أن رئيس مجلس النواب تحدث عن دعم استيراد الأكباش بمبلغ يتراوح بين 300 و400 مليون درهم (حوالي 30 إلى 40 مليار سنتيم)، وليس 50 مليار سنتيم كما يُشاع.
وأشار التويزي إلى أن مجموع المبالغ المصروفة على استيراد الماشية خلال السنوات السابقة بلغ نحو 5 مليارات درهم، متسائلاً عن مصدر الرقم المتداول البالغ 13.5 مليار درهم، مؤكداً أن هذا الرقم محل شك حتى من قبل الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي.
وكشف رئيس فريق الأصالة والمعاصرة أن الأغلبية الحكومية قررت تشكيل لجنة استطلاعية، وليس لجنة تقصي حقائق، موضحاً أن “اللجنة الاستطلاعية تقوم بنفس العمل وستعد تقريراً سيُناقش في البرلمان ويكون متاحاً للعموم، وإذا تضمن ما يستدعي تدخل النيابة العامة، فسيتم إحالته إليها”.
وأضاف التويزي: “المهم بالنسبة لي هو الوصول إلى الحقيقة، وذلك بجمع كل المعطيات المتعلقة بالشركات المستفيدة، وتاريخ إنشائها، والمبالغ التي حصلت عليها”، مؤكداً أن “اللجنة الاستطلاعية لن تضم الأغلبية فقط، بل ستضم المعارضة أيضاً بطريقة نسبية، وسينتج عنها تقرير أساسي يبين الواقع”.
وعن رفع الرسوم الجمركية إلى 200% على الواردات من اللحوم، أوضح التويزي أن الهدف كان حماية القطيع الوطني والمنتج المحلي، مستغرباً من تداول رقم 13 مليار درهم، واصفاً إياه بـ”الافتراضي” الذي لا وجود له في الميزانية.
وختم التويزي تصريحه بالتأكيد على أن الدعم البالغ 500 درهم لكل رأس لم يعط النتيجة المرجوة، رافضاً المبالغة في تقدير المبالغ المصروفة، مشيراً إلى أن “المواطن في الشارع يتحدث عن 1300 مليار، وهو مبلغ يكفي لشراء 26 مليون رأس من الغنم من الخارج، أي ما يعادل أربعة أضعاف احتياجات المغرب السنوية البالغة 6 ملايين رأس”.
ومن جانبه، أكد محمد شوكي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، أن المبلغ الحقيقي الذي صرفته الدولة على دعم استيراد الأضاحي بلغ 437 مليون درهم وليس 13 مليار درهم كما يتم تداوله، واصفاً الرقم المتداول بـ”الكذبة” و”التضليل”.
وأوضح شوكي، في معرض رده على الجدل القائم حول هذا الموضوع، طريقة احتساب الكلفة الحقيقية للدعم، مشيراً إلى أن “الخروف يساوي 2000 درهم، وعندما كانت هناك حماية جمركية بنسبة 200%، كان يضاف مبلغ 4000 درهم، إضافة إلى ضريبة القيمة المضافة البالغة 1200 درهم، ليصل المجموع إلى 5200 درهم”.
وأضاف أن “الحكومة اتخذت إجراءً لدعم المستوردين بمبلغ 500 درهم للرأس الواحد نظراً للظروف التي تسببت في غلاء الأسعار”، موضحاً أن “المبلغ الإجمالي للإعفاء الجمركي يصل إلى 13 مليار درهم، في حين أن مبلغ الدعم المباشر البالغ 500 درهم للرأس يصل إلى 437 مليون درهم”.
وشدد شوكي على أن “التدفق المالي الحقيقي لهذه العملية هو 437 مليون درهم، أما النفقة الضريبية -وهو المصطلح المستخدم في قانون المالية- فمجموعها يصل إلى 13 مليار درهم لأن الرسوم الجمركية كانت 200% وتم تخفيضها”.
ولفت رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار إلى أن “هذا النقاش ليس وليد اليوم، بل سبق وأن تم خلال مناقشة قانون المالية، حيث قدم الوزير المنتدب المعطيات المفصلة عن هذه العملية”.
وفيما يتعلق بتقييم إجراء الدعم، اعترف شوكي “بكل تواضع أن بعض الإجراءات التدبيرية التي كان الهدف منها واضحاً وهو حماية القدرة الشرائية للمواطنين وتمكينهم من التضحية بثمن معقول، لم تعط النتيجة المرجوة ولم تنخفض الأسعار كما كان متوقعاً”، مشيراً إلى أن “500 ألف أسرة ضحت بأضحية تتراوح قيمتها حول 2000 درهم”.
وبخصوص لجنة تقصي الحقائق التي تطالب بها المعارضة، أوضح شوكي أن الأغلبية فضلت تشكيل “مهمة استطلاعية” بدلاً من لجنة تقصي الحقائق، معتبراً أن “اللجنة الاستطلاعية آلية مشتركة للأغلبية والمعارضة، تحترم مبدأ النسبية والتوازن، حيث يمكن أن يكون الرئيس من المعارضة والمقرر من الأغلبية أو العكس”.
وأشار إلى أن “المهمة الاستطلاعية من صلاحياتها مراقبة النشاطات والإجراءات الحكومية ولها الحق في الاستماع والقيام بالزيارات الميدانية”، لافتاً إلى أن “مدة عمل المهمة الاستطلاعية هي شهران، بينما تستغرق لجنة تقصي الحقائق ستة أشهر”.
وختم شوكي بالتأكيد على أن الهدف من المهمة الاستطلاعية هو “تنوير الرأي العام وإجراء تقييم حقيقي لأسباب عدم تحقيق هذا الإجراء للهدف المرجو منه”.