تعمدت الجزائر منذ عقود طويلة إلى تبني استراتيجية إعلامية مضللة تهدف إلى خلط الأوراق وربط ملف الصحراء المغربية بالقضية الفلسطينية، في محاولة لاستدرار تعاطف الرأي العام العربي والإسلامي واستغلال الزخم العاطفي المرتبط بفلسطين.
التشابه البصري… مناورة محسوبة
منذ البدايات، لم يكن تشابه علم “الجبهة” مع العلم الفلسطيني محض صدفة، بل كان خطوة مدروسة بعناية لخلق ترابط ذهني في اللاوعي الجمعي العربي والإسلامي، هذا الفعل الرمزي يعكس استراتيجية مقصودة تسعى لإكساب ملف الصحراء قداسة مستعارة من قضية تحظى بإجماع عربي وإسلامي.
وتجاوزت هذه المناورات الإطار البصري لتمتد إلى القاموس اللغوي والسياسي، حيث استعارت الجزائر مفردات مثل “المخيمات”، “اللاجئين”، “المساعدات الدولية”، “الصليب الأحمر”، “قرارات الأمم المتحدة”، و”تقرير المصير”. كل ذلك في سياق مصطنع يهدف إلى تصوير المغرب في صورة “المحتل”، وتشبيهه بإسرائيل، متجاهلة بذلك الفوارق التاريخية والقانونية والسياسية الجوهرية بين الملفين.
الهدف الاستراتيجي: عزل المغرب
تسعى هذه المقاربة بشكل واضح إلى عزل المغرب عن محيطه العربي والإسلامي، وإضعاف موقفه السياسي إقليمياً ودولياً. فالجزائر تدرك أن قوة المغرب في وحدته الترابية وعمقه الحضاري والتاريخي، ولذلك عمدت إلى استخدام القضية الفلسطينية كرافعة لإرباك الموقف المغربي وتشويهه.
الوقوع في الفخ… سلاح من الداخل
ما لم تنجح فيه الجزائر رغم المحاولات المتكررة، كاد أن يحققه – للمفارقة – بعض المحسوبين على الصف الوطني، حين انزلقوا إلى خطاب يربط بين القضية الفلسطينية وملف الصحراء من جهة التضاد، معتبرين أن مناصرة فلسطين تعني التخلي عن الوحدة الترابية للمملكة.
هذا الخطاب المتهافت يقدم طواعية الذخيرة التي عجز الخصم عن إنتاجها، ويدفع المغاربة إلى موقف لم يتبنوه يوماً: التعامل مع قضية فلسطين كخصم، وهو ما يتناقض تماماً مع الموقف الرسمي والشعبي المغربي الثابت منذ عقود.
تاريخ من الدعم الثابت
ظلت الرباط دوماً عاصمة للموقف الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس مراراً، بصفته رئيس لجنة القدس، وبصفته قائداً سياسياً حريصاً على التوازن بين الالتزامات الوطنية والقيم القومية.
فالقضية الفلسطينية في وجدان المغاربة ليست عبئاً على ملف الصحراء، بل هي جزء من نسق أخلاقي راسخ، لا ينبغي أن يُستخدم كفزاعة أو كأداة ابتزاز. وفي المقابل، فإن ملف الصحراء المغربية قضية سيادة وطنية، مؤيدة بمرجعيات قانونية وتاريخية، لا تحتاج إلى استعارات خارجية لتبريرها.
نحو خطاب وطني متوازن
آن الأوان لتفكيك هذه اللغة المسمومة التي تخلط الأوراق وتشوه الحقائق. يحتاج المغرب اليوم إلى صلابة الخطاب، واتزان الفعل، ووحدة الجبهة الداخلية، بعيداً عن المعادلات الزائفة التي يصوغها الآخرون.
ومن الضروري أن يتحصن المغاربة بالوعي العميق بالسياقات، وبالتفريق بين القضايا العادلة والمشاريع المصطنعة، حتى لا يكونوا جسراً يعبر عليه الخصم ليبلغ هدفه، أو سلاحاً يُشهر في وجه الوطن باسم قضايا أخرى.
إن الدفاع عن الوحدة الترابية المغربية لا يتعارض مع دعم القضية الفلسطينية، وإنما هما موقفان متكاملان ينبعان من ذات القيم والمبادئ، وهو ما يجب أن يتجلى في خطابنا الإعلامي والسياسي بوضوح وثبات.