وسط أروقة المعرض الدولي للكتاب بالرباط، حيث تتشابك الحروف مع الوجوه الباحثة عن المعرفة، يبرز رواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية كفضاء لا يستقطب فقط المهنيين والمهتمين بالشأن القضائي، بل يفتح نوافذه لكل متعطش لفهم العدالة من زواياها الإنسانية والمعرفية.
عند مدخل الرواق، كان إسماعيل برهون، محامٍ متمرن بهيئة تطوان، يتأمل فضاءً يتجاوز كونه مؤسساتياً إلى حيز للنقاش والتفكير. يقول: “الإقبال على هذا الرواق طبيعي بالنظر لثراء الجلسات العلمية التي تُنظم فيه، والتي تستقطب باحثين وطلبة وحتى شباباً صغاراً. المواضيع المطروحة تمس صلب العلاقة بين المواطن والسلطة القضائية، وتعزز منسوب الثقة لدى فئات كثيرة. إنه فضاء للمعرفة القانونية والإدارية، ومنصة لتكوين جيل واعٍ بقضايا العدالة.”
أما هشام المحار، طالب باحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس أكدال، فقد جاء مدفوعاً بحاجة علمية ملحة. يقول بصوتٍ مشحون بالحماس: “بحثي يتقاطع مع مهام المجلس الأعلى للحسابات في علاقته بالسلطة القضائية، خصوصاً في القضايا ذات الطابع الجنائي المحالة إلى رئاسة النيابة العامة. هذا الرواق يختصر لي شهوراً من المساطر الإدارية… هنا يمكنني أن أتحاور مباشرة مع قضاة وخبراء، وأن أطرح إشكالاتي البحثية، لأحصل على أجوبة عملية تغني رسالتي وتمنحها بُعداً ميدانياً.”
من جهته، عبّر عبد الله منيوي، أستاذ جامعي ومدير قافلة علمية من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، عن سعادته بما وصفه بـ”الإقبال الناضج” على الأروقة القضائية في المعرض، قائلاً: “الثورة التشريعية التي تشهدها المنظومة القانونية المغربية أثارت فضول المهتمين بالشأن العام، وهذا ما يفسر ازدحام الرواق بالزوار من مختلف المشارب. الانفتاح المؤسساتي أصبح ضرورة، وهذه اللقاءات تُعيد للمواطن ثقته في العدالة، وتفتح أمامه أبواب المعرفة القانونية.”
لكن الصورة لم تكتمل إلا حين وقفنا عند رواق هيئة المحامين بالرباط، حيث تحدث النقيب بلغة تعكس الوعي المجتمعي المتزايد بدور العدالة. يقول: “اختيارنا لشعار ‘المحاماة فكر، ثقافة، ونبض إنساني’ لم يكن اعتباطياً. لقد لمسنا فعلاً تعطشاً شعبياً للنظر إلى المهنة من زاوية جديدة، بعيداً عن الإجراءات والمساطر. العدالة ليست حكراً على القضاة، ولا المحاماة على المحامين… إنها شأن مجتمعي بامتياز، والمواطن له الحق في إبداء رأيه وانتقاداته.”
في نهاية المطاف، بدا واضحاً أن رواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومن معه من مؤسسات العدالة، لم يكن مجرد جناح إداري وسط معرض ثقافي، بل كان نبضاً حيوياً في قلب نقاش وطني حول العدالة والقانون، مفتوحاً على الجميع: باحثين، مهنيين، طلبة، ومواطنين عاديين… الجميع هنا يجد متسعاً للإنصات، وللسؤال، ولإعادة اكتشاف معنى القضاء خارج جدران المحاكم