العقوبات البديلة في المغرب خطوة مهمة نحو تحديث النظام الجنائي
على هامش معرض الكتاب المنظم بالرباط، أكد محمد الساسي، الأستاذ الجامعي، أن إقرار العقوبات البديلة في المغرب تحولاً محورياً في سياسة العدالة الجنائية، استجابةً لتحديات عالمية ووطنية متقاربة. وبعد سنوات من المطالبات، شهدنا أخيراً خروج هذا النص التشريعي للعلن ومصادقته ونشره في الجريدة الرسمية.
وتأسس النظام الجنائي الحديث، حسب ما أوضحه الساسي، في تصريحه لموقع “فبراير”، على أفكار فلاسفة التنوير كمونتسكيو وجان جاك روسو وديكارت، والتي حولها بيكاريا إلى ما يمكن اعتباره دستوراً للنظام الجنائي المعاصر. هذا التحول أنهى عصراً من الوحشية في العقوبات والشطط في سلطة القضاة، وأرسى مبادئ الشرعية والنفعية وحرية الإنسان.
وكشف الأستاذ الجامعي، أن القانون الجنائي المغربي، كوليد لهذه السيرورة التاريخية، تبنى هذه المبادئ الأساسية، لكن العقود الأخيرة أظهرت أن السجن، الذي اعتبر أساس العقاب الحديث، تحول إلى: مصدر إيذاء للساكنة السجنية وللمجتمع، عبء مالي باهظ على الدولة، نظام عاجز عن وقف ظاهرة العود أو الحد من تصاعد الإجرام
وفي ذات السياق، أصبح المغرب من بين العشرين دولة الأولى عالمياً من حيث ارتفاع عدد السجناء، مما دفع المندوب العام لإدارة السجون لإطلاق صرخة تحذير من ظاهرة الاكتظاظ وتداعياتها. هذا الواقع استدعى إعادة النظر في العقوبات السالبة للحرية، خاصة قصيرة المدى، وتحويلها إلى بدائل أخرى.
وتتضمن البدائل المعتمدة الحراسة الإلكترونية والغرامة اليومية التي أسيء فهمها في النقاش العام. لكن هذه مجرد خطوة أولى في مسار يتطلب: إعادة بناء شاملة للقانون الجنائي المغربي، إصدار مدونة جديدة تستوعب المستجدات الوطنية والدولية، ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في التعامل مع مرتكبي الجرائم.
ينبغي النظر إلى العقوبات البديلة كمدخل لتحديث المنظومة الجنائية المغربية وفتحها على آفاق جديدة فرضتها العولمة وتطور مفاهيم العدالة. فرغم ارتكابه للجريمة، يظل الجاني إنساناً يستحق معاملة تحفظ كرامته وتتيح فرصة إعادة تأهيله.
ويبقى التحدي الأكبر هو تطبيق هذه الإصلاحات بشكل فعال يحقق التوازن بين مصلحة المجتمع في تحقيق الأمن والعدالة، وبين حق الفرد في معاملة إنسانية تحترم كرامته وتتيح له فرصة الإصلاح والعودة كعضو فاعل في المجتمع.