أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي أن المغرب يواجه أزمة حقيقية في مجال الطب الشرعي، مشيرا إلى أن هذا القطاع يعاني من خصاص كبير على المستوى الوطني، وهو ما كشفته أيضا التقارير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وأوضح خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب أن نقص الأطباء الشرعيين يمثل إشكالا عميقا يصعب معه توفير طبيب شرعي في كل إقليم، مما يستدعي التحرك العاجل لسد هذا الخصاص.
وهبي أوضح أن وزارة العدل تعاملت بجدية مع هذه الإشكالية من خلال إعداد مرسوم يهدف إلى تكوين أطباء عامين عبر برامج تدريبية سريعة في مجال الطب الشرعي، مضيفا أن الوزارة دفعت نحو فتح تخصص أكاديمي للطب الشرعي داخل كليات الطب المغربية، بهدف خلق نواة صلبة لهذا التخصص الحيوي.
وعلى الرغم من هذه الجهود، أشار الوزير إلى ضعف الإقبال الطلابي على هذا المجال، موضحا أن الإغراءات المادية تظل محدودة، حيث لا يتعدى تعويض إجراء التشريح مئة درهم، وهو ما دفع الوزارة إلى مراجعة المرسوم الخاص بالتعويضات لتحفيز المهنيين وتحسين ظروف اشتغالهم.
في السياق ذاته، أعلن وهبي أن هناك حاليا 63 طالبا يتابعون دراستهم في تخصص الطب الشرعي، إضافة إلى 75 آخرين متخصصين في مجال التشريح للأموات، مبرزا أن الهدف الاستراتيجي يتمثل في رفع عدد الأطباء الشرعيين إلى أكثر من 200 طبيب في المستقبل القريب، استجابة للطلب المتزايد وضمانا لدقة الخدمات الطبية العدلية.
من جانب آخر، لم تخلُ الجلسة البرلمانية من انتقادات حادة، إذ اعتبرت البرلمانية عائشة الكرجي عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية أن ما قدمه الوزير مجرد “عذر أقبح من زلة”، منتقدة غياب رؤية استراتيجية متكاملة لدى الحكومة، خصوصا في ظل ما أسمته تقاعسا في إدماج الذكاء الاصطناعي لتطوير قطاع الطب الشرعي.
وأشارت الكرجي إلى تعثر مشاريع حيوية مثل منصة “إكرام الميت” التي كانت ستساهم في تنسيق جهود مختلف المتدخلين، معتبرة أن تعثر تطوير مستودعات الأموات وأقسام حفظ الصحة يحولها أحيانا إلى فضاءات تسيء لكرامة الإنسان.
ولم تخف الكرجي استياءها من كون عدد الأطباء الشرعيين بالمغرب لا يتجاوز ستة أو سبعة أطباء، مع غموض يلف كيفية تدريب من تبقى منهم، مشددة على أن المتضرر الأكبر من هذا الوضع هو المواطن البسيط.
بدورها، نبهت البرلمانية نادية بوزندفة عن فريق الأصالة والمعاصرة إلى أن نقص الأطباء الشرعيين يؤثر بشكل مباشر على دقة تقارير المعاينة، وهو ما ينعكس سلبا على منظومة العدالة برمتها، مؤكدة ضرورة تخصيص طبيب شرعي لإقليم آسفي الذي يفوق عدد سكانه 800 ألف نسمة، معتبرة أن غياب الأطر المتخصصة يفاقم معاناة المواطنين.
في معرض رده على الانتقادات، لم يخف وهبي حجم التحديات، معترفا بأن الأزمة أعمق من الحلول السريعة، إذ شدد قائلا: “لا يمكن أن نضغط على الأزرار ليظهر الأطباء”، موضحا أن تكوين الطبيب الشرعي يتطلب أربع سنوات كاملة، وأن ولايته الحكومية لم تكمل بعد هذه المدة، خاتما مداخلته بنبرة ساخرة بقوله: “ما نقدرش نولدهم”.