في مشهد حزبي مطبوع بإعادة التشكل وإعادة التموضع، اختار حزب العدالة والتنمية استدعاء عبد الإله بنكيران إلى واجهة القيادة مجددًا، في لحظة سياسية دقيقة تتقاطع فيها الهواجس التنظيمية بالرهانات الوطنية الكبرى.
فالقرار الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب لا يعكس مجرد عودة اسم مألوف، بل يجسد ما يمكن وصفه بمحاولة استباقية لترميم الشرعية السياسية المهددة، واستعادة الموقع داخل معادلة مغرب 2030.
لكن هذا الاختيار، في ظاهره الاستمراري، يخفي أسئلة جوهرية أبرزها هل يراهن الحزب فعلاً على استعادة موقعه في المشهد السياسي بقيادة بنكيران؟ وهل تمثل هذه العودة ضمانًا للاستقرار الداخلي أم مجرد محاولة لربح الوقت؟ وهل ما زال بنكيران يحتفظ بذات الجاذبية التي كانت له قبل عشر سنوات؟
من هذا المنطلق، يرى الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أشرف بولمقوس، أن عودة بنكيران لا تنفصل عن استراتيجية احتواء التآكل الداخلي، والتأهب لمعادلة انتخابية يُتوقع أن تكون شديدة الرمزية والحساسية، خصوصًا في أفق استحقاقات يُراهن عليها لإنتاج “حكومة المونديال”، وسط مشهد سياسي يعاني من فراغ تعبوي وركود في المبادرة.
وأوضح بولمقوس في تصريحه :لفبراير” أن نتائج مؤتمرات الأحزاب لا يمكن قراءتها خارج السياقات العامة التي تعيشها البلاد، مشيرًا إلى أن “عودة بنكيران تأتي في لحظة سياسية دقيقة، تتقاطع فيها رهانات المرحلة المقبلة مع التحديات البنيوية التي يعيشها الحزب”.
كما قال الباحث إن “المؤتمر انعقد في أفق استحقاقات 2026، التي تكتسي طابعًا خاصًا، بالنظر إلى كونها ستفرز ما يسمى مجازًا بـ‘حكومة المونديال’، أي الحكومة التي ستواكب تحضيرات المغرب لتنظيم كأس العالم 2030، وما يستلزمه ذلك من استقرار سياسي ومؤسساتي”.
وأوضح بولمقوس أن الحزب، بانتخابه بنكيران، “يحاول تأهيل نفسه ليكون جزءًا من مغرب 2030، عبر زعيم يمتلك كاريزما وقدرة على المناورة السياسية، حتى وإن ارتبط اسمه بإخفاقات سابقة”، مضيفًا أن هذا الاختيار يعكس غياب بروفيلات بديلة قادرة على شغل هذا الدور داخل الحزب، ما دفع نحو “الرهان على الورقة الأكثر قدرة تواصليًا وتنظيميًا”.
وبحسب بولمقوس، فإن عودة بنكيران لا تنفصل عن الأزمة التي يعيشها الحزب منذ هزيمته الانتخابية، معتبرًا أن “الحزب ما زال في مرحلة انكسار، ولم يتجاوز بعد مفاعيل الصدمة، وهو ما يجعل من عودة بنكيران محاولة لترميم التنظيم، أكثر من كونها خطوة سياسية محضة نحو التموقع من جديد”.
لكن المهمة ليست سهلة. فالحزب يواجه إرثًا ثقيلًا من تناقضات تدبيره السابق للشأن العام، لا سيما في الملفات الاجتماعية، حيث يشير الباحث إلى أن “من أبرز هذه التحديات تراجع بعض مرتكزات الحزب الخطابية، مثل القضية الفلسطينية، التي تضررت صورته بشأنها بعد توقيع سعد الدين العثماني، بصفته رئيسًا للحكومة، على اتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل، وهو ما اعتُبر من قبل الكثيرين تناقضًا مع مرجعية الحزب وتاريخه السياسي”.
في المقابل، يرى بولمقوس أن حضور بنكيران، رغم كل الانتقادات، “أفضل من استمرار الفراغ السياسي الذي يطبع الحياة الحزبية الوطنية”، مبرزًا أن السياسة لا تحتمل الفراغ، وبنكيران، بأسلوبه الخاص، قادر على ملئه. معتبرا أن “الرهان على بنكيران قد يعيد إحياء الحزب، وقد ينتهي بتأكيد تراجعه، لكنه في جميع الأحوال يشكل تجربة استثنائية في تاريخ الأحزاب المغربية”.
وأضاف أن “العودة الحالية لبنكيران تُقرأ من جهة كامتداد لمنطق الانقاذ الداخلي، ومن جهة أخرى كمساهمة محتملة في تنشيط الحياة السياسية الوطنية التي تعاني من الجمود، مما يجعل من المؤتمر الأخير لحزب العدالة والتنمية لحظة اختبار حقيقية، ليس فقط لمستقبل الحزب، بل لصورة المعارضة السياسية عمومًا”.
ويبقى الرهان، حسب بولمقوس، معلقًا على ما ستفرزه الانتخابات التشريعية لسنة 2026، والتي ستمنح الجواب السياسي الصريح على سؤال: هل نجحت عودة بنكيران في إنقاذ الحزب؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تأجيلًا لانطفاء المصباح؟