وداعا محمد الشوبي.. فـ”الكل اتردى معطف الحزن واقتسم خبر الوداع بالتساوي”، فالوداع لمن كان عنوانا لفترة ذهبية، زمنا تجسدت فيه روح المغرب، بهمومه وأحلامه، على الشاشة والمسرح.
ستون عاماً واثنان مرّت كلحظة، في سماء الفن المغربي، احتضنت بين طياتها أربعة عقود من العطاء الإبداعي المتواصل. ستون عاماً كان فيها الشوبي صوتا للبسطاء ووجها لأدوار تلامس الواقعي، يحاكي همومهم ويلامس أوجاعهم، بأسلوب فني فريد سكن القلوب قبل أن يسكن العيون.
لم يكن رحيله مفاجئا لمن عرف معاناته مع المرض، لكنه كان صادما لملايين المغاربة الذين اعتادوا على حضوره الدافئ في بيوتهم عبر شاشات التلفاز، صارع المرض بصمت الكبار وشموخهم، محتفظا حتى النفس الأخير بابتسامته المميزة التي عرفه بها الجمهور، كأنه يقول: “الحياة مسرحية كبرى، والموت ليس سوى إسدال للستار”.
منذ بداياته في ثمانينيات القرن الماضي، كان واضحا أن “أرض الفن” على موعد مع فنان استثنائي، ليظهر الشوبي متقمصا شخصيات حتى أصبحت جزءاً من روحه، فيُخرج منها ما لم يكن في الحسبان، ويضيف إليها من عصارة تجاربه ما يجعلها خالدة في الذاكرة.
من مسرحيات “الأمل” و”صرخة صمت” إلى أفلام “طريق العودة” و”غرباء”، ومن مسلسل “دموع الرمال” إلى “أوراق الخريف”، استطاع الشوبي أن يبني جسورا مع المشاهد المغربي، وأن يكون صوتا لفئات اجتماعية مهمشة لطالما تاهت أصواتها في ضجيج الحياة.
بفنه الصادق كصدق الماء، اجتهد الشوبي وظل يبحث كان يبحث عن أبعاد جديدة للشخصية، يستخرج منها المسكوت عنه، ويكشف المستور من طبائعها.
في السنوات الأخيرة، ورغم تداعيات المرض، رفض الشوبي أن ينحني، واصل العطاء وهو يصارع الوجع، قدم أعمالا فنية تُعتبر من أنضج ما أنتجته السينما والدراما المغربية.
وفي صمته الأخير، كان أبلغ من ألف خطاب. لم يشتك ولم يتذمر، بل واجه القدر بابتسامة العارفين، وبروح الفنان الذي يعلم أن الستار سيُسدل يوماً ما، لكن الحكاية تبقى.
اليوم، وبينما يوارى جثمانه الثرى، تبقى روحه حاضرة في كل بيت مغربي. تبقى ضحكته الدافئة وصوته الرخيم ونظراته العميقة محفورة في ذاكرة كل من أحب الفن الصادق.
