الأحزاب ليست شراً بحد ذاتها، بل يمكن أن تكون أدوات ديمقراطية إذا توافرت آليات المساءلة. لكن غياب الرقابة والتنافسية قد يحولها إلى “ديكتاتوريات مصغرة”. السؤال كيف يمكن تعزيز الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب نفسها؟
في العديد من الدول، نلاحظ أن بعض الأحزاب السياسية تتحول إلى كيانات شبه ديكتاتورية، خاصة عندما تمسك بزمام السلطة لفترات طويلة دون رقابة فعالة أو توازن قوى ، هناك عدة عوامل تساهم في تحول الأحزاب إلى “ديكتاتوريات نموذجية” عندما تتمكن من السيطرة على مؤسسات الدولة بعض الأحزاب تسعى إلى الهيمنة على المؤسسات التشريعية والقضائية والإعلامية، مما يقوض الديمقراطية ويُضعف التعددية السياسية ، ومن العوامل كذالك مساهمةً في هذه الديكتاتوريات الحزبية إضعاف المعارضة عبر قوانين انتخابية على مقاسات تسمح بهوامش واسعة لاستعمال المال و السلطة ، واتخاذ القضاء والقوانين لملاحقة سياسية أو تهميش دور الأحزاب المنافسة، بتهم تكن واهية تنديد أمن واستقرار الدولة ، التآمر على البلاد مع أطراف معادية خارجية … و اللائحة طويلة بفعل تواتر توظيفها في الزج بالمعارضين للسجون عبر محاكمات مفبركة .
أما الفساد والمحسوبية فهما رأس الحربة في تقويض أي تطور للديموقراطية و محاسبة الاحزاب السياسية، مما يجعل تحويل الحزب إلى أداة لخدمة النخبة الحاكمة لصالح الموالين للحزب الحاكم بدلاً من تمثيل مصالح الشعب.
وقد تذهب ابعد من هذا الخرق السافر للقواعد الديموقراطية ،بالقيام بتغيير الدستور والقوانين لتوسيع صلاحيات القيادة أو تمديد فترات الحكم بشكل غير ديمقراطي (أمثلة ؛ مصر و تونس و الجزائر و السودان قبل دخولها م كل مرة في صراعات دموية).
ليس بالضرورة أن يكون تعدد الأحزاب ظاهرة ديموقراطية صحية وسليمة كيفما كانت خلفياتها الفكرية والايديولوجية رأسمالية أو يسارية شيوعية كانت أو اشتراكية ، يمينية ، قومية ، دينية ، ففي دول ديمقراطية راسخة، توجد آليات رقابة مثل الانتخابات الحرة، واستقلال القضاء، والإعلام الحر، التي تمنع تحول الأحزاب إلى “ديكتاتوريات مصغرة ” ما تنفك تتحول إلى أنظمة ديكتاتورية بغطاء ‘ ديموقراطي ‘ لكن في أنظمة هشة أو شمولية، يصبح الحزب الحاكم أداة للاستبداد و القمع حتى داخل هياكلها ديكتاتورية و تقصي الأصوات المعارضة او المطالبة بالتغيير و هذه الأخيرة، توجد حتى في الأنظمة التي لا يحكمها الحزب الواحد.
إذ لا يعقل مثلا في ظل “نظام ديموقراطي” تطغى فيه الشقافية والمحاسبة، ان يستمر أمين عام حزب لولايات متكررة وبالاغلبية، رغم مرور انتخابات الحزب عبر آليات و هياكل قانونية، تتمخض عبرها انتخابات داخلية في مؤتمر عام نتائج تشبه تماما انتخاب رؤساء جمهوريات الأنظمة الديكتاتورية الشمولية .
من ضمن أمثلة تاريخية، الحزب النازي في ألمانيا (1933-1945) وحزب البعث في العراق (تحت حكم صدام حسين و حافظ الأسد بسوريا ، والضباط الاحرار بمصر ونظام القذافي بليبيا …) التي أصبحت أدوات للقمع. في العصر الحديث، بعض الأحزاب في روسيا، تركيا، فنزويلا ، تتهم بالتحول إلى أدوات هيمنة وتحكم في مؤسسات الدولة .
في ظل حكم الديكتاتورية الحزبية، يعاني المعارضون من المفكرين والفنانين، الأدباء و الشعراء و المثقفين، الصحفيين المؤمنين بالخربة وقضايا حقوق الإنسان من كل أصناف التضييق والتنكيل ، والمتابعات المفضية للحرمان من الحرية، الحزب تؤطره مرجعية ايديولوجية وفكرية السياسية محددة كل حزب ونوعية مرجعياته لذلك لما يحكم يستبد ويمارس فرض ‘ قوانين أيديولوجيته الخاصة ‘ ولاي لا تتعايش بطبيعتها مع الاختلاف والنقد الادع التي يمارسه الفنانون الكاريكاتوريين والتشكيليون، المسرحيون و السينمائيون والشعراء والكتاب … لذلك تجد أغلب المعارضين منهم فضلوا العيش خارج اوطانهم او نفرا قسرا بسبب القمع الممارس ضدهم .
لم يقدر فنانون من روسيا و دول شرقية في عهد الاتحاد السوفياتي و الاحزاب الشيوعية من التعبير و الابداع بحرية ببلدانهم الأصلية فهاجروا لاوربا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحقبة ، مثال ( مدرسة فنانو الباوهوس لالمانيا و البنيويةً ‘ و ما بعد التجريدية الحديثة الروسية ..، كما عاش بالو بيكاسو بفرنسا بعيدا عن حكم إسبانيا الفاشية … التي اعدمت شعراء و فنانين غيرهم من المعرضين في الحرب الاهلية الاسبانية .
لا تجتمع حرية التعبير و ممارسة الفن الحر تحت سطوة الأنظمة الشمولية .
من حظ المغرب لم تنجح الاحزاب و التي كانت جزءا من حركة مقاومة الاستعمارين الاسباني و الفرنسي آنذاك في بدايات الاستقلال و بعده بسنين من بسط سيطرتها على مؤسسات الدولة إبان الصراع على الحكم ، فهي قامت بتصفية مناضلين من حزب الشورى و الاستقلال و ما زال التاريخ يشهد بدار ‘ بريشة ‘ و مناطق اخرى على جرائم فظيعة مارستها مكونات حزبية ضد بعضها البعض من اجل الحكم و التي تعتبر عبرة لمن يعتقد ان الاحزاب تؤمن دائما بالحرية و الديموقراطية ،التعدد نعمة و التنافس الانتخابي من حسنات الديموقراطية لان ‘ استبداد حزب واحد اوحد ‘ يودي إلى الهلاك و هذا ما نجى منه المغرب بعد الاستقلال بفضل ذكاء و حكمة النظام الملكي و حمايته للمصالح الوطنية العليا و الديموقراطية المغربية التي تتطور ككل الديموقراطيات بالعالم و التي مرت بمراحل قبل ان تصل لما وصلت اليه اليوم ، الديموقراطية لا تنزل من السماء بل بفضل المثابرة و الممارسة السياسية القايمة على مرتكزات ربط المسؤولية بالمحاسبة و احترام الرأي و الرأي الاخر ، و ما تفرزه صناديق الاقتراع الشفافة و النزيهة والمحافظة على الهوية الوطنية و شعارها الخالد الله – الوطن – الملك .