الرئيسية / سياسة / ملتمس الرقابة يعود إلى الواجهة: معارضة تستعرض عضلاتها الدستورية أمام أغلبية مريحة

ملتمس الرقابة يعود إلى الواجهة: معارضة تستعرض عضلاتها الدستورية أمام أغلبية مريحة

"فرق المعارضة"
سياسة
راوية الذهبي 06 مايو 2025 - 12:00
A+ / A-

في خطوة تعيد إلى الواجهة واحدة من أقوى أدوات المساءلة البرلمانية، قررت فرق المعارضة بمجلس النواب تفعيل ملتمس الرقابة ضد الحكومة، بعد عام كامل على المحاولة الأولى التي لم تتجاوز حدود الإعلان السياسي. وبهذا القرار، تدخل الحياة البرلمانية في المغرب مرحلة توتر جديدة، تعكس عمق الانقسام داخل المؤسسة التشريعية، وتؤشر على مستوى غير مسبوق من الانسداد السياسي بين المعارضة والسلطة التنفيذية.

القرار، الذي أعلن عنه رسمياً يوم الاثنين 5 ماي 2025، لم يكن مفاجئاً لمن يتابع تصاعد حدة الخطاب السياسي خلال الأشهر الأخيرة، في ظل سياق اجتماعي متأزم، وارتفاع أصوات الانتقاد الشعبي لغلاء المعيشة، وتراجع مردودية البرامج الحكومية، وشبه الغياب المستمر للوزراء في جلسات المساءلة.

وبالرغم من أن تأجيل طرح مسودة الملتمس، وجمع التوقيعات الضرورية له، تم لأسباب تنظيمية تتعلق بالتزامات برلمانية، إلا أن رمزية الخطوة لا تخفى على أحد، إذ تتجاوز بعدها الإجرائي لتعلن بداية تصعيد سياسي مفتوح، يراد له أن يعيد ترتيب التوازن داخل المشهد البرلماني، حتى ولو لم يحقق هدفه الأقصى، المتمثل في إسقاط الحكومة.

وفي قراءة قانونية للخطوة، يرى الدكتور عادل الوراقي أن اللجوء إلى ملتمس الرقابة “ليس فقط إعلانًا عن فقدان الثقة في الحكومة، بل تأكيد على أن المؤسسة التشريعية لا يمكن أن تتحول إلى فضاء صوري، بل يجب أن تبقى قادرة على التفاعل مع نبض المجتمع، وأن تُمتحن فيها فعالية الآليات الرقابية المنصوص عليها في الدستور، خاصة في ظل ما يعتبره كثيرون تقاعسًا حكوميًا عن التجاوب مع مختلف آليات الرقابة المتاحة للبرلمان”.

هذا الفعل، في رأي الكثير من المتابعين، لا يُقرأ فقط من زاوية الأرقام والتوازنات السياسية، بل من زاوية أخرى أكثر عمقًا تتعلق بوظيفة المعارضة نفسها، وحدود إمكانياتها داخل نظام سياسي لا يزال يعاني من خلل بنيوي في توزيع السلط. وهو ما يوضحه الدكتور منير أيت بوزيد، بقوله إن “الملتمس لا ينبغي قراءته كأداة لإسقاط الحكومة فقط، بل كلحظة ديمقراطية لاختبار مناعة النظام السياسي، وقدرة المعارضة على استثمار الأدوات الدستورية المتاحة لها لإعادة تشكيل النقاش العمومي حول قضايا التدبير”.

المعارضة، التي توحدت خلف هذه الخطوة رغم تباين مشاربها السياسية، تدرك تمامًا صعوبة تجاوز عتبة النصاب القانوني، لكنها تراهن على البعد الرمزي والتأثير السياسي للملتمس، باعتباره أداة ضغط مشروعة لفرض أجندة مساءلة سياسية وإحراج الأغلبية الحكومية، التي وإن كانت تتوفر على أغلبية عددية مريحة، إلا أنها تواجه عزوفًا متزايدًا عن الانخراط السياسي، وتآكلًا لثقة المواطنين في جدوى العمل الحزبي والنيابي.

وهو ما تشير إليه الباحثة نرجس العلمي، في قراءتها لعودة هذا النقاش، إذ تقول: “المعارضة لم تعد تتحرك فقط داخل قبة البرلمان، بل تنقل معركتها إلى المجال العمومي، وتحاول إعادة صياغة العلاقة بين المواطن والمؤسسة، من خلال إثبات أنها لا تزال قادرة على الفعل، وعلى الضغط، حتى في ظل اختلال موازين القوى. هذا الملتمس هو رسالة احتجاج دستوري، وتحريك للركود السياسي القائم”.

في المقابل، لا يبدو أن الأغلبية الحكومية تأخذ التهديد بملتمس الرقابة على محمل الجد، إذ أن التصريحات الصادرة عن بعض قادتها تشير إلى اعتبار الأمر مجرد مناورات سياسية، لا أثر واقعي لها في ظل التماسك العددي والتحالف الحكومي المتماسك حتى الآن. غير أن هذا لا يمنع من أن تمرير هذه الخطوة قد يُدخل الحكومة إلى دائرة الدفاع، ويضطرها لتقديم إجابات صريحة عن مواضيع شائكة لطالما تجنبت الخوض فيها، من قبيل القدرة الشرائية، وضعف الاستثمار العمومي، وحصيلة برامج الحماية الاجتماعية.

لكن حتى في حال فشل الملتمس في بلوغ هدفه، فإن مجرد تقديمه يعتبر، في رأي عدد من المحللين، كسبًا سياسيًا صافياً للمعارضة. إذ يكفي أنه فرض على الحكومة العودة إلى ساحة النقاش العلني، وأجبرها على الخروج من منطق الصمت المريح، وأعاد إلى البرلمان شيئًا من الحركية التي افتقدها خلال السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، فإن المعارضة نفسها مطالبة بالإجابة عن أسئلة جوهرية، من قبيل مدى جاهزيتها لتقديم بدائل سياسية واقعية، وبرامج حكومية قابلة للتطبيق، في حال تغيرت موازين القوى. فمصداقية الفعل الرقابي ترتبط بمدى توفر رؤية متماسكة للحكم، وليس فقط بالاكتفاء بتسجيل المواقف الاعتراضية.

الرهان الأكبر اليوم ليس فقط على نتائج هذا المسار، بل على ما سيفتحه من تحولات في بنية الخطاب السياسي داخل البرلمان. ذلك أن ملتمس الرقابة، بهذا الشكل، يضع الديمقراطية البرلمانية في المغرب أمام محكّ حقيقي، ويعيد أسئلة المحاسبة والرقابة إلى الواجهة، بعدما تمّ إضعافها لصالح منطق الإجماع الهش، والاستقرار العددي القائم على التوافقات أكثر من البرامج.

وفي انتظار ما ستؤول إليه جلسات التوقيع والمناقشة، فإن الواضح أن المعارضة قررت الخروج من حالة الانتظار الطويل، وركوب موجة الصراع المؤسساتي المفتوح، رغم وعيها بكلفة المعركة، وحدود قدرتها على فرض التغيير من داخل بنية تشريعية تظل رهينة لحسابات التحالفات وليس للاختيارات السياسية.

السمات ذات صلة

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة