الرئيسية / سياسة / المنصات الجهوية للمخزون الاستراتيجي: رؤية ملكية لتأمين الكرامة وضمان الجاهزية الوطنية

المنصات الجهوية للمخزون الاستراتيجي: رؤية ملكية لتأمين الكرامة وضمان الجاهزية الوطنية

الكوارث
سياسة
فبراير.كوم 08 مايو 2025 - 16:00
A+ / A-

في زمن أصبح فيه التحدي لا يقتصر على مواجهة الكوارث بل على الاستعداد الذكي لها، يخطو المغرب خطوة استراتيجية حاسمة في بناء منظومة وطنية للجاهزية والتدخل السريع.

فالحدث الذي شهدته جماعة عامر بعمالة سلا، يوم الأربعاء 7 ماي 2025، لم يكن مجرد تدشين تقني لمنصة جهوية، بل لحظة رمزية كاشفة عن العمق الاستباقي للرؤية الملكية في تدبير الأزمات وحماية الإنسان.

بإشرافه على إطلاق منصة المخزون والاحتياطات الأولية لجهة الرباط-سلا-القنيطرة، يؤكد الملك محمد السادس أن صون الكرامة الإنسانية في لحظات الخطر هو واجب دولة وليس مجرد ترف لوجستي،  إنها خطوة تمثل التحول من منطق الانفعال إلى منطق الفعل، ومن التدبير الموسمي للأزمات إلى التموقع في قلب الرؤية الحديثة للأمن الإنساني الشامل.

الأمن الإنساني كمدخل للسيادة الوطنية

المنصة الجهوية التي تم إطلاقها، هي واحدة من 12 منصة ستغطي مجموع التراب الوطني، وفق تخطيط دقيق يأخذ بعين الاعتبار الكثافة السكانية والمخاطر المحتملة، بمساحة عقارية إجمالية تصل إلى 240 هكتارًا، وباستثمار يبلغ 7 مليارات درهم. هذا المعطى وحده يُظهر أن الدولة لم تعد تنظر إلى الكوارث باعتبارها استثناءً، بل جزءًا من الواقع المناخي والجيولوجي المتحول الذي يجب الاستعداد له كما يُستعد للحدود، وللأمن الطاقي والغذائي.

الرؤية الملكية لا تكتفي بتوفير الخيام والأسِرّة والأغطية، بل تتجه نحو إحداث مستشفيات ميدانية متخصصة، ومطابخ متنقلة، ومولدات كهربائية، ومحطات لتصفية المياه، ووحدات لمكافحة المخاطر الكيماوية والبيئية، هذه ليست فقط أدوات تدخل، بل تجسيد لفكرة أن الأمن لم يعد مسألة أمن حدود، بل أمن حياة، وكرامة، وصحة، واستمرارية اجتماعية.

بصيغة  أخرى، يتعامل المغرب مع الكوارث كمسألة سيادة، فتوفير الموارد محليًا، وإنشاء منصات إنتاج وطنية للمعدات والتجهيزات، ودمج مختلف المتدخلين في منظومة موحدة، يعكس توجهًا نحو تقليص التبعية وبناء قدرة داخلية مستقلة في زمن تتغير فيه أنماط المخاطر.

من التجزئة إلى الوحدة: نحو منظومة وطنية متماسكة

غن ما يُميز هذه المبادرة هو أنها ليست معزولة أو تقنية الطابع، بل تُشكل نواة لتوحيد الجهود القطاعية حول رؤية وطنية متكاملة في مواجهة الطوارئ.

فالمنصة الجهوية ليست فقط مكانًا لتخزين المواد، بل حلقة ضمن منظومة تمتد من الحكومة المركزية إلى الجهات، ومن السلطة التنفيذية إلى الفاعلين المدنيين.

كما أن التنسيق المؤسساتي المعلن، بين وزارات الداخلية والصحة والتجهيز، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يعكس قناعة الدولة بأن مواجهة الكوارث لا يمكن أن تُترك للحلول الظرفية أو الارتجال. بل تتطلب جاهزية دائمة، وسلاسل إمداد مدروسة، وتوزيعًا مسبقًا للموارد.

واللافت في هذا التصور هو إرساء التوازن بين المركز والجهات، عبر تمكين كل جهة من فضاء خاص بها، يتناسب مع احتياجاتها ومخاطرها المحتملة، ما يترجم توجه الدولة نحو عدالة مجالية حتى في الاستجابة للكوارث.

بعد إنساني عميق: من الإغاثة إلى صون الكرامة

في كل تفاصيل المشروع، يتجلى بوضوح أن المسألة لا تتعلق فقط بفعالية الدولة، بل بتكريس الكرامة الإنسانية كأولوية. فالهدف ليس فقط إنقاذ الأرواح، بل ضمان أن يعيش المتضرر لحظة الأزمة في ظروف تحفظ له إنسانيته، بعيدا عن مشاهد الاكتظاظ، والارتجال، والعجز التي كثيرًا ما ارتبطت بالكوارث الكبرى في السياقات المقارنة.

إن تخصيص 200 ألف خيمة، ومراكز طبية متقدمة، ومخزونات أدوية جاهزة، لا يمثل فقط بنية لوجستية، بل رسالة رمزية وسياسية في آن واحد: المواطن المغربي، في كل جهات المملكة، ليس وحده في لحظة الضعف، بل الدولة في خدمته، مسبقًا، لا لاحقًا.

ويكتسي هذا المعطى أهمية خاصة في ضوء ما كشفته تجارب سابقة، من بينها زلزال الحوز، من ضرورة اختصار الزمن الفاصل بين الكارثة والتدخل، وهو ما يعززه اليوم وجود مخزون ثلاثي يعادل أضعاف الحاجيات التي تم تلبيتها حينها، في تأكيد على أن المغرب لا يكرر أخطاءه بل يتعلم منها ويؤسس على أساسها.

ويمثل المشروع الملكي لإحداث المنصات الجهوية للمخزون والاحتياطات الأولية قفزة نوعية في منظومة تدبير الطوارئ بالمغرب، ويُعدّ نموذجًا متقدّمًا في العالم العربي والإفريقي. إنه ليس مجرد تجهيز للبنية التحتية، بل تأسيس لبنية عقلية جديدة في الدولة: عقلية الاستباق، والتأهب، والإنصاف المجالي، وصون الكرامة الإنسانية.

ففي زمن يتسارع فيه وقع الأزمات، ويفقد فيه كثيرون الثقة في قدرة الدولة على الحماية، يبعث المغرب من خلال هذه الخطوة رسالة واضحة: السيادة لا تُقاس فقط بالقوة الاقتصادية أو العسكرية، بل بمدى جاهزية الدولة لحماية شعبها في اللحظات الحرجة، والقدرة على أن تكون حاضرة حيثما وُجد الخطر.

مواقيت الصلاة

الفجر الشروق الظهر
العصر المغرب العشاء

أحوال الطقس

رطوبة :-
ريح :-
-°
18°
20°
الأيام القادمة
الإثنين
الثلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة