في تحول لافت في الموقف الأميركي، أفادت وكالة “رويترز” نقلاً عن مصدرين مطلعين، بأن الولايات المتحدة تخلّت عن شرط تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل كمدخل لاستمرار المحادثات مع الرياض بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية.
ويأتي هذا التراجع قُبيل زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، في ما يُنظر إليه على أنه تنازل كبير من واشنطن، خاصة أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن كانت قد ربطت هذا التعاون النووي باتفاق أشمل يشمل معاهدة دفاع وتطبيعاً دبلوماسياً بين الرياض وتل أبيب، وهو ما لم تُخفِ الرياض معارضتها له، مؤكدة مراراً رفضها الاعتراف بإسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
هذا الموقف السعودي ازداد تصلباً عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، حيث توقفت أي خطوات نحو التطبيع، في ظل غضب شعبي ورسمي عربي واسع.
وتواجه المحادثات النووية بين الجانبين أيضاً عراقيل تقنية وقانونية، تتعلق بما يُعرف بـ”اتفاق 123” الأميركي، والذي يمنع الدول الشريكة من تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم الناتج عن المفاعلات النووية، خشية استخدامه في إنتاج أسلحة نووية. في المقابل، أعلنت السعودية أنها تسعى لتخصيب اليورانيوم محلياً وبيع منتجه.
وفي هذا السياق، أشار وزير الطاقة الأميركي كريس رايت إلى أن الجانبين يسيران في “مسار” نحو اتفاق نووي مدني، دون أن يكشف عن تفاصيل ملموسة. ورفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جيمس هيويت، التعليق على هذه التطورات، واصفاً كل ما يُنشر في هذا الشأن بـ”التكهنات”، فيما لم تصدر السعودية أي تعليق رسمي.
وبحسب “رويترز”، يجري حالياً بحث حلول وسط، من بينها ما يُعرف بـ”ترتيب الصندوق الأسود”، الذي يسمح للموظفين الأميركيين فقط بالإشراف على منشآت تخصيب اليورانيوم داخل السعودية، لضمان الامتثال لمعايير عدم الانتشار النووي.
وتسعى المملكة إلى تطوير قدراتها النووية ضمن رؤية تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط، مع تحرير مزيد من الإنتاج النفطي للتصدير. إلا أن البرنامج النووي السعودي يُثير قلقاً لدى نشطاء مراقبة التسلح، خصوصاً بعد تصريحات سابقة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكد فيها أن السعودية ستسعى لتطوير أسلحة نووية إذا فعلت إيران ذلك.
ويأتي هذا في وقت تجري فيه واشنطن محادثات موازية مع طهران بشأن برنامجها النووي. وقد صرح نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس مؤخراً بأن المفاوضات “تسير بشكل جيد”، مع وجود فرصة للتوصل إلى اتفاق يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي ويعيدها إلى الاقتصاد العالمي.
ومن المنتظر أن تبحث السعودية والولايات المتحدة خلال زيارة ترامب المقبلة حزمة من الصفقات الاقتصادية والعسكرية الضخمة، من بينها صفقة تسليح تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار، إلى جانب استثمارات سعودية ضخمة قد تُرفع إلى تريليون دولار، وفقاً لما نقلته “رويترز” عن مصادرها.
وتُعد هذه الزيارة الثانية للرئيس ترامب إلى الخارج منذ عودته إلى البيت الأبيض، وقد اختار أن تكون السعودية إحدى أولى محطاته، في إشارة إلى استمرار العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين واشنطن والرياض، والتي تعززت بشكل كبير خلال ولايته الأولى.