في قرية آيت بيوض الهادئة، على بعد خطوات من مدينة الصويرة الساحرة، التأمت قلوب من مختلف بقاع العالم، تحمل الديانة اليهودية وتكنّ حبا عميقا للمغرب، والحديث هنا عن موسم “الولي رابي نسيم بن نسيم”، الحدث السنوي الذي يجسد أسمى معاني التسامح والتعايش، ويعكس الروابط المتينة التي تجمع الطائفة اليهودية المغربية بوطنها الأم وبالعرش العلوي المجيد.
وشكل اللقاء عرساً وطنياً، حضره مسؤولون حكوميون وشخصيات مدنية وعسكرية، ليشهدوا على هذا التلاحم الفريد. كلمات المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس لجنة “رابي نسيم بن نسيم”، دافيد كوهين، ورئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم الصويرة، محمد منكيط، صدحت بالإشادة بالرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، الذي يرعى هذا التعايش ويحميه.
رابي نسيم بن نسيم، الولي الصالح الذي استقر في الصويرة في منتصف القرن التاسع عشر، كان رمزاً للزهد والروحانية والارتقاء الأخلاقي. ذكراه السنوية تجمع اليوم أحفاده من جميع أنحاء العالم، لتجديد العهد بالوطن وبالعرش العلوي، وللتعبير عن اعتزازهم بهويتهم المغربية المتجذرة.
الأجواء الاحتفالية التي سادت الموسم كانت خير دليل على عمق هذا الارتباط. الأغاني الوطنية المستوحاة من الرصيد الموسيقي الشعبي اليهودي-المغربي، والتي صدحت بها حناجر الحاضرين، كانت بمثابة ترانيم حب وولاء. الوجوه البشوشة والقلوب المتآلفة، بغض النظر عن اختلاف الديانة، كانت صورة معبرة عن الوحدة الوطنية.
ما يميز موسم “رابي نسيم بن نسيم” هو قدرته على تجاوز البعد الديني ليصبح مناسبة وطنية بامتياز. إنه فرصة لتأكيد التشبث بالهوية المغربية، وللتعبير عن الوفاء للعرش العلوي، وللتأكيد على أن الطائفة اليهودية المغربية جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني.
في عالم يموج بالصراعات والتوترات الدينية، يبرز المغرب كنموذج فريد للتعايش السلمي، موسم “رابي نسيم بن نسيم” هو أحد تجليات هذا النموذج، وهو رسالة قوية إلى العالم مفادها أن الاختلاف لا يجب أن يكون سبباً للفرقة، بل يمكن أن يكون مصدر قوة وإثراء.
هذا الموسم ليس مجرد احتفال بالماضي، بل هو استشراف للمستقبل. إنه تأكيد على أن المغرب سيظل دائماً وطناً للجميع، بغض النظر عن الدين أو العرق. إنه دليل على أن قيم التسامح والاحترام المتبادل هي الأسس التي يقوم عليها المجتمع المغربي، وهي القيم التي يجب علينا جميعاً أن نحافظ عليها ونعمل على تعزيزها.
إن موسم رابي نسيم بن نسيم هو أكثر من مجرد احتفال ديني، إنه احتفال بالإنسانية، واحتفال بالمغرب، واحتفال بقيم التسامح والتعايش التي يجب أن تسود العالم.