أثارت المادة الثالثة من مشروع قانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل المسطرة الجنائية جدلاً واسعاً في مجلس النواب، حيث اعتبرت فرق المعارضة أن المادة تقيّد حق جمعيات المجتمع المدني في حماية المال العام.
اعتبر الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية أن المادة الثالثة “مفتوحة على التأويل”، وتستبطن إشكالين أساسيين: هشاشة موقع المنتخب إزاء المنظومة الجنائية” خاصة ونحن مقبلون على سنة انتخابية، والابتزاز الذي ربط تعسفاً ببعض مكونات المجتمع المدني، مع التذكير بأن الأحزاب الوطنية عملت على تطوير الحقل الجمعوي وخلق علاقة تكاملية بين العمل السياسي والجمعوي.
وأشارت النائبة مليكة الزخنيني إلى تناقض في تعامل القطاعات الحكومية مع الجمعيات، حيث “قطاع حكومي يرخص وفق القانون لجمعية لحماية المال العام، ويدين قطاع حكومي آخر قيامها بما يندرج في هذا الإطار”.
كما سجلت أن مراجعة أحكام قانون المسطرة الجنائية تفتقر إلى “ضمانات حقيقية للتفعيل” فيما يخص الرقمنة وتبسيط المساطر، والحراسة النظرية، والاعتقال الاحتياطي، والتسجيل السمعي البصري للاستجوابات.
من جهتها، أكدت النائبة لطيفة أعبوت عن الفريق الحركي على أهمية “التمييز بين الجدية واللاجدية” في عمل الجمعيات، مستندة إلى خطابات ملكية تؤكد أن “محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع”.
وقالت: “نؤكد أننا مع الجمعيات والهيئات الجادة؛ لكننا ضد الابتزاز الذي يمكن أن تشهره الجمعيات غير الجادة أو بعض الأشخاص، ضد مسؤولين أو منتخبين لغايات لا علاقة لها أحياناً بحماية المال العام”.
ودعت النائبة إلى تطوير طرق قضائية بديلة كالوساطة والتحكيم والصلح، وتبني عقوبات بديلة، مع ضرورة مواكبة السياسة الجنائية بسياسة وقائية تركز على “التربية والتحسيس والقضاء على مسببات الجريمة”.
انتقدت النائبة لطيفة الصغيري عن فريق التقدم والاشتراكية “ردود الفعل المتشنجة تُجاه المجتمع المدني، والتضييق عليه في مساهمته وحقه في التبليغ عن قضايا المال العام”.
وأقرت بوجود “هواجس مرتبطة بالابتزاز المتخفي وراء غطاء العمل الجمعوي”، لكنها اعتبرت أن معالجة ذلك كانت تحتاج “إلى اجتهاد تشريعي، وليس إلى اعتماد الحلول السهلة المتمثلة في إقرار العقاب الجماعي لجمعيات المجتمع المدني”.
وأشارت إلى أن فريقها “تقدم بحوالي 170 مقترح تعديل” تهدف إلى “تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وقرينة البراءة”، لكن “الحكومة لم تتفاعل معها بالشكل المطلوب”.
في سياق متصل، أشار النائب عبد الصمد حيكر عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية إلى أن مجموعته قدمت 435 تعديلاً لم تقبل الحكومة منها سوى 21 تعديلاً، أي أقل من 5%.
واعتبر أن المشروع كان يحتاج إلى “إعداد مشروع جديد بهندسة ورؤية جديدتين”، بدل الاكتفاء بتعديلات تشبه “عملية إصلاح لبناية كان من الممكن هدمها وإعادة بنائها على أسس متينة”.
وفيما يخص التبليغ عن جرائم الفساد، قال: “لا أحد منا يقبل بالابتزاز، وندعو إلى التشديد في التعاطي مع هذا الموضوع؛ لكن لا يمكننا أن نصادر حق المجتمع في التبليغ عن هذه الجرائم” التي وصفها بأنها “أفعال جرمية ذات كلفة سياسية واقتصادية واجتماعية”.
وذكّر حيكر بأن “مرتكزات النظام الدستوري” تشمل “مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”، إضافة إلى “مقتضيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب، والتي تسمو على التشريع الوطني”.