تنظم مجموعة “نساء شابات من أجل الديمقراطية” ندوة فكرية تحمل عنوان “إشكالية النسب في مدونة الأسرة – نحو قراءة جديدة للنصوص الدينية والقانونية”، وذلك في إطار النقاش العمومي الدائر حول تعديلات مدونة الأسرة.
وتأتي هذه المبادرة في سياق الجدل المتزايد حول ضرورة مراجعة مدونة الأسرة لتواكب التحولات المجتمعية والقيمية التي شهدها المغرب خلال العقدين الأخيرين، خاصة فيما يتعلق بقضايا النسب وحقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.
رفض الخبرة الجينية يثير جدلاً واسعاً
تركز الندوة على إشكالية رفض اعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب، رغم التقدم العلمي والقانوني المحقق في هذا المجال، وهو ما اعتبرته الهيئات التقدمية انتهاكاً لحقوق الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج.
وتؤكد المجموعة المنظمة أن هذا الرفض يجرد الأطفال من أحد حقوقهم الأساسية، وهو الحق في النسب، مشيرة إلى أن النسب ليس مجرد علاقة بيولوجية، بل “بنية اجتماعية قانونية تعكس اختيارات مجتمعية وتعيد إنتاج علاقات السلطة والتراتبية”.
من جانبها، أكدت ابتسام التبات، الكاتبة العامة لمجموعة “شابات من أجل الديمقراطية”، على ضرورة إحداث تغييرات جذرية في المقاربة القانونية لمسألة إثبات النسب، داعية إلى اعتماد الخبرة الجينية كآلية حاسمة، وذلك خلال ندوة فكرية نظمتها المجموعة.
وأوضحت التبات أن هذه الندوة تأتي “في سياق النقاش العمومي حول مراجعة مدونة الأسرة، الذي انطلق -مجددا- بخطاب العرش لسنة 2022، الذي أمر فيه الملك بمراجعة بعض مقتضياتها بهدف تجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها”.
وعبرت الكاتبة العامة عن خيبة أمل المجموعة إزاء مسار النقاشات ومقترحات التعديلات المطروحة حتى الآن، واصفة إياها بأنها “جاءت مخيبة للآمال وصادمة خاصة فيما يتعلق بمسألة النسب واستخدام الخبرة الجينية”.
وأضافت أن تنظيم الندوة يمثل “مساهمة من المجتمع المدني والفكر النقدي في إغناء هذا النقاش، خصوصًا من زاوية المفاهيم والمبادئ المؤسسة، وفي مقدمتها سؤال النسب وما يختزنه من إشكالات تتعلق بالهوية والأسرة والتراتبية الجندرية”.
وانتقدت التبات الإطار الحالي لإثبات النسب في المدونة، معتبرة أنه “ما يزال أسيرًا لمنطق ‘الزواج الشرعي’ كشرط وحيد للاعتراف بالقرابة”. وأكدت أن هذا المنطق “يخالف التحولات المجتمعية التي أفرزت أشكالاً زواجية متعددة، كما يُقصي عددًا كبيرًا من الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج، ويجعلهم ضحايا وضع قانوني وأخلاقي لا يد لهم فيه”.
وشددت التبات على نقاط جوهرية، أولها أن “تحليل الحمض النووي (DNA) يجب أن يُعتمد كوسيلة علمية قطعية لإثبات النسب، على اعتبار أنه ليس مجرد علاقة شرعية، بل هو حق للطفل في الاعتراف بهويته وبأصله”.
كما أكدت أن “الربط الحصري بين النسب والزواج يكرس تمييزًا قانونيًا وأخلاقيًا ضد النساء وضد الأطفال على حد سواء”. ودعت إلى “تجاوز المقاربة الزجرية والأخلاقية، لصالح مقاربة حقوقية وإنسانية تُنصف الطفل وتكرّس المصلحة الفضلى له”.
وفيما يتعلق بالمخاوف من تأثير الخبرة الجينية على استقرار الأسرة، أوضحت التبات: “لا ننظر إلى اختبار الحمض النووي كأداة لهدم الأسرة كما يُروج، إنما كوسيلة لضمان العدالة في حالات النزاع حول النسب أو إنكار النسب، بحيث لا يُترك الطفل في فراغ قانوني واجتماعي، ويُحرم من الهوية والرعاية”.
وعن تطلعات المجموعة، أشارت التبات إلى السعي نحو “فتح مساحات فكرية للنقاش وتبادل الأفكار والتجارب حول إشكالية النسب ومواصلة التفكير، من أجل الوصول إلى فلسفة جديدة للعدالة الأسرية، تستند إلى الكرامة والحق والإدماج لا إلى الأخلاق والإقصاء”.
واختتمت تصريحها بالتأكيد على أن “المدونة التي ننتظرها ليست فقط نصًا قانونيًا جديدًا، بل لحظة تأسيسية لرؤية عادلة للأسرة والقرابة والنسب، تستجيب لتطلعات النساء، والأطفال، والمجتمع كله”.
وتهدف الندوة إلى خلق فضاء للحوار النقدي والتفكير الجماعي، عبر مساءلة التصورات السائدة والانفتاح على مقاربات بديلة تستثمر أدوات متنوعة تشمل:
* الفكر المقاصدي في التراث الإسلامي
* السوسيولوجيا النقدية
* الفلسفة السياسية
* التحليل القانوني المقارن
كما ستستحضر الندوة صوت الفاعلين الميدانيين وتجارب النساء على أرض الواقع، بهدف إثراء النقاش بالتجربة العملية والمعاش اليومي.