في إطار الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز منظومة اليقظة الزلزالية وتحسين القدرة على الاستجابة للكوارث الطبيعية، تم أول أمس تدشين محطة جديدة للرصد الزلزالي بسد أبو العباس السبتي، الواقع في إقليم شيشاوة، وهو من بين الأقاليم التي تأثرت بشدة بزلزال الحوز المدمر الذي ضرب المغرب في 8 شتنبر 2023.
تأتي هذه المحطة كجزء من شبكة وطنية متقدمة للرصد الزلزالي يجري تعزيزها في مختلف مناطق المغرب، خصوصاً في الجهات المصنفة ضمن الخريطة الجيولوجية عالية الخطورة. وتهدف هذه الشبكة إلى تقوية قدرة المملكة على تتبع النشاط الزلزالي في الزمن الحقيقي، وتحسين آليات الإنذار المبكر، مما يُمكّن من الحد من الأضرار والخسائر في الأرواح والممتلكات.
المحطة الجديدة مجهزة بأجهزة استشعار متطورة ترصد أدق الاهتزازات الأرضية، وترسل بيانات مباشرة إلى المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، المسؤول عن تحليل وتفسير المعطيات الزلزالية.
وتمثل هذه المحطة واحدة من 20 محطة جديدة يتم إنشاؤها ضمن مشروع “تعزيز صمود المغرب في مواجهة الزلازل”، وهو مشروع وطني بشراكة مع منظمة اليونسكو، وبدعم مالي وتقني من حكومة اليابان.
ويمثل تدشين هذه المحطة تحولًا نوعيًا في مقاربة المغرب لتدبير المخاطر الزلزالية، إذ لم يعد الأمر يقتصر فقط على التدخل بعد الكارثة، بل أصبح يعتمد على منطق الاستباق والتأهب من خلال إنشاء بنية علمية وتقنية قادرة على التنبؤ وتحليل المخاطر بشكل مستمر.
ويؤكد المختصون أن زلزال الحوز كان جرس إنذار دفع الدولة إلى مراجعة استراتيجياتها في مجال الوقاية من الكوارث، والانتقال من منطق الاستجابة إلى منطق الوقاية والبناء المستدام.
كما يندرج هذا التدشين في إطار سياسة متكاملة تستهدف التوعية المجتمعية بالمخاطر الجيولوجية، وتكوين الأطر المحلية في مجالات الإنقاذ والتدخل السريع، فضلًا عن إعداد دلائل تقنية للبناء المقاوم للزلازل خاصة في المناطق القروية والجبلية التي عانت من هشاشة في البنية التحتية.
من المتوقع أن تساهم محطة شيشاوة في تقليص زمن الاستجابة لأي هزة أرضية مستقبلية، وتوفير بيانات دقيقة ومبكرة تساعد في اتخاذ قرارات سريعة وفعالة. كما سيكون لها دور في دعم الأبحاث العلمية حول البنية الزلزالية للمنطقة، خاصة وأن شيشاوة تقع ضمن حزام زلزالي نشط مرتبط بحركة الصفائح التكتونية بين القارة الإفريقية والأوراسية.
وتعكس هذه المبادرة التزام المغرب بتقوية بنيته التحتية في مواجهة التغيرات الطبيعية، والتأسيس لمرحلة جديدة من التعايش الآمن مع المخاطر الزلزالية، على ضوء الدروس القاسية التي خلفها زلزال الحوز، الذي سيظل محفورًا في الذاكرة الجماعية كمأساة وطنية، لكنه أيضًا شكل لحظة تحول في السياسات العمومية المرتبطة بتدبير الكوارث.
