أكد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أن توطيد دولة المؤسسات يمر عبر دسترة عدد من الهيئات، لا سيما هيئات الحكامة الجيدة، بهدف أساسي يتمثل في تدعيم استقلاليتها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأوضح لقجع، في جواب كتابي موجه للمستشارين البرلمانيين، أن هذه الاستقلالية تشكل ضمانة جوهرية لفاعلية هذه الهيئات وحصانتها من أي تأثيرات، مما يمكنها من الاضطلاع بمهامها، خاصة الرقابية منها أو تلك المتعلقة بحماية الحقوق وتنظيم الحياة العامة، بنزاهة وموضوعية تامة.
وفي هذا السياق، أشار الوزير إلى أن مبدأ فصل السلط يقتضي أن تضع هذه الهيئات ميزانياتها الخاصة، مع التنسيق مع الحكومة لتسجيل الاعتمادات المالية المرصودة لها ضمن الميزانية العامة للدولة.
ويأتي إدراج هذه الميزانيات، وفقاً للقجع، كانعكاس للمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 77، والذي يقضي بالالتزام بتوازن مالية الدولة، مؤكداً أن الاستقلالية المالية تتحقق من خلال توفر شروط أساسية تتمثل في إعداد الميزانية بشكل مستقل، والحصول على الاعتمادات مباشرة من الميزانية العامة، والتصرف الحر في الموارد، بالإضافة إلى الخضوع لرقابة خاصة لتنفيذ الميزانية، وهو ما يتوافق معه التنظيم المالي لهذه المؤسسات.
وتفصيلاً لآليات إعداد الميزانية، بيّن لقجع أن المشرع أرسى آليات مستقلة تتفاوت بين المؤسسات؛ ففي مجلس المنافسة، يتولى الأمين العام تحضير مشروع الميزانية لعرضه على موافقة المجلس، بينما في الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يقترح رئيس الهيئة مشروع الميزانية السنوية ويُعرض على مجلس الهيئة للمصادقة.
أما المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فيُسند لرئيسه مهمة إعداد وتنفيذ الميزانية السنوية. وفيما يخص مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، يتم إعداد الميزانية باتفاق مع السلطة الحكومية المكلفة بالمالية.
وبخصوص الحصول على الاعتمادات، أوضح الوزير أن بعض المؤسسات الدستورية تتوفر على فصول ميزانياتية خاصة، بينما تستفيد أخرى من إعانات من ميزانية الدولة، فضلاً عن مواردها الذاتية التي لا تؤثر على استقلاليتها.
وأكد حرص الحكومة على برمجة وتنفيذ المخصصات المالية طبقاً لمقترحات هذه الهيئات، مشيراً إلى أن رئيس الهيئة أو المجلس يُعتبر آمراً بالصرف، مع إمكانية تعيين آمرين مساعدين.
وعلى صعيد الرقابة، أفاد لقجع بأن محاسباً عمومياً ملحقاً لدى هذه المؤسسات يتولى الاختصاصات المخولة للمحاسبين العموميين، كما تخضع قوانين جل الهيئات والمؤسسات ميزانياتها لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات.
وشدد على أن هذه المقاربة الوطنية تتماشى مع تجارب دولية رائدة، كالتجربة الألمانية التي تُدرج ميزانيات مؤسساتها الدستورية ضمن القانون المالي الفيدرالي مع احترام استقلاليتها الوظيفية، وتمتع المحكمة الدستورية الفيدرالية باستقلالية مالية معززة. كما أشار إلى نماذج إقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كتونس والأردن، حيث تُخصص اعتمادات لهذه الهيئات على أساس احتياجاتها مع مراعاة توازن ميزانية الدولة.
وخلص لقجع إلى أن خضوع ميزانيات المؤسسات الدستورية، بما فيها مجلسا البرلمان، لذات النصوص القانونية المؤطرة للميزانية والمالية العمومية، ينبع من مبادئ الالتزام بالقانون والشفافية المالية والحكامة، ولا يخل بمبدأ فصل السلط. بل وأكثر من ذلك، انخرط عدد من هذه المؤسسات، كالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بشكل إرادي في ورش نجاعة الأداء، مما يعكس التزامها بتعزيز فعالية عملها.