في مبادرة تجمع بين التمكين الاقتصادي للمرأة والحفاظ على التراث والبيئة، تسعى تعاونية “تيسيا” للنسيج، بقيادة رئيستها فدوى المنزهي، إلى خلق بصيص أمل لنساء منطقة الأطلس الكبير. انطلقت التعاونية من دوار أنفكو، وتستعد لتوسيع نشاطها ليشمل دواري آيت علي ويكو وأكودال نواحي إملشيل، بهدف توفير فرص عمل وفضاءات آمنة للإبداع والتعاون للنساء الأمازيغيات، وتمكينهن من تحقيق الاستقلالية المالية.
وأوضحت المنزهي أن فكرة إنشاء التعاونية جاءت كاستجابة للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها نساء المنطقة، واللواتي غالباً ما يكنّ رهينة الأوضاع الاجتماعية التي تحد من قدرتهن على إيجاد مصادر دخل ثابتة، خاصة مع صعوبة التنقل خارج دواويرهن. وأضافت: “كان لابد من مبادرات تكون داخل الدواوير وتعمل على تثمين المعرفة والمهارات الموجودة أصلاً عند النساء، مما يمنحهن الثقة بالنفس ويشعرهن بأنهن نساء منتجات وفاعلات في مجتمعهن.”
وفي إطار مشاركتها الأخيرة في مهرجان الفن والإيكولوجيا، قدمت تعاونية “التيسيا” ورشة عمل تحت عنوان “من الشراوط إلى بوشرويط”.
هدفت الورشة إلى تسليط الضوء على فن “بوشرويط” العريق، وهو نوع من النسيج التقليدي الذي يعتمد على إعادة تدوير الأقمشة والملابس القديمة. وأكدت المنزهي أن “النساء الأمازيغيات كن يمارسن إعادة التدوير (الغوسيكلاج) منذ الأزل، قبل حتى أن يظهر هذا المصطلح، محولاتٍ ما يُعتقد أنه لم يعد له قيمة إلى منتوج فني إبداعي.”
وأشارت إلى أن “بوشرويط” ليس مجرد سجادة، بل هو تعبير فني يحمل في طياته قصصاً وإبداعاً، حيث تحول المرأة الأمازيغية بقايا الأقمشة إلى قطع فنية تستخدم في الحياة اليومية، مثل “بوشرويط” نفسه، أو الحبال (لي كورد) المستخدمة مع المواشي، أو الأكياس (الشواري).
ولم تقتصر الورشة على الجانب الفني والتراثي فقط، بل تطرقت أيضاً إلى القضايا البيئية الملحة. فقد لفتت المنزهي الانتباه إلى الأرقام المقلقة المتعلقة بصناعة الأزياء، حيث يتم التخلص سنوياً من حوالي 93 مليون طن من الملابس على مستوى العالم، ولا يُعاد تدوير سوى أقل من 1% منها. وحذرت من مخاطر “الموضة السريعة” (لافاست فاشن) واستهلاكها الهائل للموارد الطبيعية، خاصة المياه، في ظل التحديات التي يواجهها المغرب بسبب ندرة المياه والجفاف.
وشددت المنزهي على أهمية الوعي بهذه المخاطر والعمل على إيجاد حلول مستدامة، مؤكدة أن مبادرات مثل إحياء فن “بوشرويط” لا تساهم فقط في الحفاظ على التراث وتمكين النساء، بل تقدم أيضاً نموذجاً عملياً للاستهلاك المسؤول وإعادة التدوير، مما يساهم في التخفيف من الأثر البيئي السلبي للممارسات الاستهلاكية الحديثة.
وتعد تعاونية “التيسيا” مثالاً حياً على كيف يمكن للمبادرات المحلية أن تحدث فرقاً، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بل أيضاً في تعزيز الوعي البيئي والحفاظ على الهوية الثقافية في مواجهة تحديات العصر.