أعلن المركز الدولي لمبادرات الحوار عن إطلاق منصة جديدة لتأسيس لجنة مغاربية مستقلة، متخصصة في التفكير الإيجابي بشأن مستقبل الاتحاد المغاربي، وذلك في محاولة لكسر الجمود واستئناف النقاش الجدي حول هذا المشروع الإقليمي المتعثر.
اللجنة المزمع تشكيلها، بحسب المركز، ستضم شخصيات مغاربية وازنة، تتمتع بالكفاءة والاستقلالية الفكرية، وستُكلَّف بوضع برنامج عمل واقتراح آليات الاشتغال، إلى جانب إطلاق سلسلة من المبادرات السياسية والفكرية والإعلامية تهدف إلى بلورة حلول عملية للمشاكل البنيوية التي تعيق تفعيل الاتحاد المغاربي.
وفي بيان تعريفي بالمبادرة، اعتبر المركز أن الاتحاد المغاربي يمثل “إطارًا حيويًا للحوار حول القضايا الخلافية”، مبرزًا أن فتح هذا الملف اليوم “يهدف إلى تشخيص العوائق، وإطلاق نقاش إقليمي ناضج، وإعادة الأمل في مشروع طالما ألهم أجيال ما بعد الاستقلال”، محذرًا من “تفكك صامت يختبئ خلفه رأي عام مؤيد للوحدة لكنه محاصر بخطابات العداء والانفصال”.
المركز لم يُخف قلقه من ضياع فرص تاريخية للتكامل الاقتصادي، معتبرًا أن الأنظمة المغاربية أهدرت من الزمن والموارد ما يعود في الأصل للأجيال الصاعدة، وليس للنخب السياسية العاجزة عن تجاوز حسابات الصراع العقيم، مضيفًا أن الدول المغاربية تُعد اليوم من أقل الأقاليم اندماجًا في العالم.
وفي السياق ذاته، أشار المركز إلى أن المعضلة الأساسية تتمثل في القطيعة بين المغرب والجزائر، البلدين اللذين يشكلان حجر الأساس في أي مشروع اندماجي، معتبرًا أن استمرار التوتر بينهما يسحب المنطقة نحو مستقبل غامض، ويغذي خطاب العزلة والانغلاق، في وقت تعاني فيه الدول الثلاث الأخرى، تونس وليبيا وموريتانيا، من أزمات داخلية عميقة.
وأوضح المصدر أن هذه الدول، ورغم تطلعها الطبيعي لتقوية التعاون المغاربي، باتت تتعامل مع التوتر المغربي الجزائري بمزيج من الإحباط والحذر، مفضلة في كثير من الأحيان النأي بنفسها عن الخلاف الثنائي، بسبب محدودية قدرتها على التأثير أو الوساطة في ظل هشاشة الأوضاع الداخلية.
ورغم الصورة القاتمة، يشير المركز إلى أن الأمل لا يزال حاضرًا، مستدلًا على ذلك بوجود إرادة شعبية واسعة في المغرب والجزائر لبناء علاقات متوازنة، وبأن مظاهر التوتر السياسي لم تؤثر بشكل عميق على النسيج المجتمعي والشعبي، رغم تزايد خطاب الكراهية في بعض وسائل الإعلام والمنصات الرقمية.
وبموازاة ذلك، حذر البيان من تحديات أمنية واقتصادية تفرض نفسها على المنطقة، وعلى رأسها المخاطر المتصاعدة في منطقة الساحل، وتفاقم ظواهر الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والهجرة غير النظامية، مؤكدًا أن هذه القضايا لا يمكن معالجتها بفعالية في غياب رؤية مغاربية موحدة وتنسيق استراتيجي دائم.
كما لفت إلى أن ليبيا، التي ما زالت تعيش على وقع انقسامات حادة، تحولت إلى مسرح لتجاذب الأجندات الخارجية، دون أي تدخل مغاربي مشترك قادر على إعادة التوازن أو اقتراح مخرج سياسي دائم، في غياب صوت مغاربي موحد قادر على التأثير.
وأكد المركز في هذا السياق أن الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، بما فيها البطالة، والتضخم، وتراجع القدرة الشرائية، وتهديدات الأمن الغذائي والطاقي، تُعد تحديات مشتركة تفرض التعاون بدل التنافر، وأن بناء الاتحاد لم يعد خيارًا سياسيًا رمزيًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية ملحة.
وفي ختام بيانه، شدد المركز على أن هذه المبادرة لا تدّعي الحل، لكنها تسعى إلى فتح نافذة تفكير جماعي صادق ومسؤول، يُعيد النقاش حول الاتحاد المغاربي إلى الواجهة، ويفتح الباب أمام مبادرات ميدانية ومقاربات فكرية جديدة قادرة على ربط ماضي الوحدة بأفق واقعي قابل للتحقيق.