حذر تقرير حديث صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات من تنامي استعمال أنظمة المراقبة الحضرية الذكية في المغرب، دون توفر إطار قانوني ومؤسساتي متكامل يكفل حماية الحريات الفردية وحقوق الإنسان، مشددًا على الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة للنصوص المنظمة لهذا المجال، بما يتلاءم مع الضمانات الدستورية والتطورات التكنولوجية المتسارعة.
وأشار التقرير، الذي صدر تحت عنوان “كاميرات المراقبة الحضرية بين متطلبات الأمن وحماية حقوق الإنسان”، إلى أن توظيف الأدلة الرقمية في السياسات الأمنية يجب ألا يتم بمعزل عن ضمانات قانونية ومؤسساتية فعالة، منتقدًا ما وصفه بضعف التنسيق بين الفاعلين، والخلل في العدالة المجالية لتوزيع هذه الأنظمة.
ودعا المعهد إلى اعتماد “ميثاق حضري ديمقراطي” يُعد بتنسيق بين وزارة الداخلية، والجماعات الترابية، واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية، ليكون مكملًا للقانون رقم 08-09، ويضع مبادئ واضحة لجمع البيانات واستعمال كاميرات المراقبة ضمن السياسات الأمنية، من منطلق احترام الحريات والخصوصية.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى النموذج الفرنسي بوصفه مثالًا قابلاً للاستلهام، إذ قامت فرنسا بتعديل تشريعاتها لتوسيع نطاق الرقابة القانونية على المعالجة الذكية للبيانات، ومنحت اللجنة الوطنية المعنية صلاحيات جديدة تشمل الرقابة، والإرشاد، وفرض العقوبات عند الاقتضاء. كما أوصى التقرير بتبني آلية تعيين “مفتشي حماية البيانات” على مستوى البلديات، تتيح للمواطنين تقديم شكايات بخصوص استعمال معطياتهم الشخصية والاطلاع على المعلومات المرتبطة بأنظمة المراقبة.
وسجل التقرير أن القانون المغربي رقم 08-09، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2009، لم يعد ملائمًا للتطور التكنولوجي الحاصل، ولم يواكب المستجدات الدستورية التي أتى بها دستور 2011، خصوصًا الفصل 24 الذي ينص على صون الحياة الخاصة ومنع انتهاكها. وأبرز أن القانون في صيغته الحالية لا يضع حدودًا واضحة للسلطات الأمنية، بل يمنحها استثناءً صريحًا من رقابة اللجنة الوطنية لحماية المعطيات، ما يفتح الباب أمام تجاوزات محتملة دون رقابة مستقلة أو فعالة.
وإلى جانب التحذير من الغموض التشريعي، أضاء التقرير على مخاطر إساءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني، مستشهدًا بتجارب دولية أثارت جدلاً واسعًا. ففي الولايات المتحدة، وثّق تقرير رسمي حالات تصنيف عنصري قامت بها خوارزميات ذكية اعتبرت أصحاب البشرة السمراء مجرمين محتملين، بينما وُصِف البيض بأنهم “صالحون بطبيعتهم”. وفي أوروبا، رُصدت ممارسات مماثلة، من بينها حالة الشاب نائل المرزوكي في مرسيليا الفرنسية، الذي قُتل سنة 2023 خلال تدخل أمني مدعوم بأنظمة ذكية، على خلفية استهداف مواطنين من أصول مغاربية. كما سجل التقرير حالات تعقب إلكتروني للأطفال القاصرين من أسر فقيرة بهولندا، ضمن ما اعتبره مؤشرات مقلقة عن الاستخدام التمييزي لهذه التقنيات.
أما في المقارنة مع النماذج الأكثر تطرفًا، فقد توقف التقرير عند التجربة الصينية، مسلطًا الضوء على نظام “الرصيد الاجتماعي”، الذي يربط بين كاميرات المراقبة وبيانات المواطن الرقمية لإنتاج تقييمات لسلوكه، تُستخدم لاحقًا لتقييد حقوقه في التنقل، أو الحصول على قروض أو وظائف، بناءً على تقييم خوارزمي.
وفي ختام التقرير، أوصى المعهد المغربي لتحليل السياسات بضرورة مراجعة القانون 08-09 بشكل يراعي مقتضيات دستور 2011، وتمكين اللجنة الوطنية من صلاحيات رقابية على أنظمة المراقبة الأمنية، مع سن ميثاق حضري ديمقراطي يؤطر استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية في المجال العام، وتبنّي مقاربة متوازنة بين ضرورات الأمن وحماية الحقوق، تستلهم النماذج الدولية الرائدة، وفي مقدمتها النموذج الفرنسي.