صخب “كناوة” في الصويرة.. مهرجان يجمع التراث بالحداثة ويحتفي بالحوار العالمي
انطلقت فعاليات مهرجان كناوة وموسيقى العالم في مدينة الصويرة بأجواء احتفالية فريدة، حيث امتزجت أصوات “الكمبري” و”القراقب” مع هتافات الجمهور الشغوف، معلنةً عن عودة أحد أهم التظاهرات الثقافية في المغرب والعالم.
منذ اللحظات الأولى، عبّرت نائلة التازي، مديرة مهرجان كناوة بالصويرة، عن الرؤية العميقة للمهرجان، مؤكدين أنه ليس مجرد تظاهرة فنية، بل “فضاء ديمقراطي” يفتح أبوابه للمغاربة والزوار من جميع أنحاء العالم للاحتفاء بالثقافة المغربية وقيم السلام والتسامح التي تمثلها.
وكما صرحت المتحدثة، عن تنظيم المهرجان: “أردنا أن نبين أن للثقافة دوراً مهماً في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية، وهو ما عشناه في الصويرة التي تحولت وتطورت بفضل هذا الحدث على مدى ما يقارب 30 عاماً”.
هذه الرؤية تجسدت بوضوح في شوارع المدينة وعلى منصات العرض، حيث عبر الحاضرون عن حماسهم الشديد. هتف أحد الشباب القادمين من بني ملال: “العام الفائت جئنا، وهذا العام عدنا مجدداً. الأجواء هنا رائعة بزاف!”، مشيراً إلى أن الأجواء الفريدة للمهرجان وفنانيه، مثل المعلم حميد القصري والفنان فهد بنشمسي، هي ما تدفعهم للعودة كل عام.
ولم يقتصر الشغف على الجمهور المحلي، بل امتد ليشمل الزوار الأجانب الذين وجدوا في موسيقى كناوة رابطاً روحياً عميقاً. قالت سائحة كندية جاءت خصيصاً لحضور المهرجان: “بمجرد أن سمعت هذه الموسيقى، شعرت باتصال فوري بأرض المغرب وأفريقيا. كان عليّ أن أكون هنا لأعيش التجربة الكاملة”.
هذا الإرث الروحي والثقافي هو ما يشعر به أبناء الصويرة أيضاً. فتاة من المدينة وصفت تأثير موسيقى كناوة على روحها قائلة: “كتجيني تزعزيعة!”، في تعبير بليغ عن القوة الوجدانية لهذه الموسيقى المتجذرة في التاريخ.
إلى جانب دوره الثقافي والاقتصادي، يبرز المهرجان كنموذج في التسيير والتمكين، خاصة دور المرأة. فقد أشارت نائلة التازي، مديرة المهرجان وعضو مجلس المستشارين، بفخر إلى الدور المحوري للنساء في الطاقم الإداري للمهرجان منذ انطلاقته، مؤكدة أن “النساء حين يأخذن المسؤولية، فإنهن يعملن بالمعقول وبجدية”، وهو ما يساهم في استمرارية ونجاح هذا المشروع الوطني.
ومع استمرار المهرجان في التطور، لم يغفل عن أهمية نقل الشعلة إلى الأجيال الجديدة. وقد أشاد موسيقي شاب بمبادرة “المعلم سعيد أوغسال” الذي يدعو الشباب للمشاركة والعزف على المنصة، معتبراً إياها “بادرة طيبة لنرى الشباب في المستقبل يواصلون هذا الفن”.
وهكذا، يثبت مهرجان كناوة مرة أخرى أنه أكثر من مجرد موسيقى؛ إنه حوار بين الأجيال، ولقاء بين الثقافات، ومحرك للتنمية، وقصة نجاح مغربية ترويها مدينة الصويرة للعالم أجمع.