في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك القضايا، يأتي كتاب “مقالات في السياسة والمجتمع” للأستاذ عبد الرفيع حمضي، الصادر حديثاً عن مؤسسة باحثون للنشر، ليقدم قراءة متأنية ومسؤولة لما يجري حولنا من تحولات محلية وإقليمية ودولية.
الكتاب، الذي يقع في 320 صفحة من الحجم المتوسط، يضم أكثر من مئة مقال رأي كُتبت على مدار سنة كاملة، ونُشرت في ركنين ثابتين حظيا بمتابعة واسعة من القراء المهتمين بالشأن العام: “حديث الأربعاء” و”أتاي الأحد”.
يتنوع محتوى المقالات بين قضايا السياسة الدولية الكبرى، مثل الانتخابات الأمريكية والعلاقات المغربية الفرنسية والصراع في الشرق الأوسط ومستقبل الاتحاد الإفريقي، وبين قضايا المجتمع المغربي بكل تشعباته وتناقضاته، سواء تلك التي تثير الجدل أو تحظى بإجماع.
هذا التنوع ليس عشوائياً، بل ينبع من خبرة حياة غنية تمتد لأربعين عاماً، قضاها المؤلف في مواقع متعددة داخل الإدارة العمومية بمختلف درجاتها، وفي القطاع الخاص بالداخل والخارج، وفي العمل المدني الاجتماعي والحقوقي، وكذلك في الفعل السياسي.
ما يميز هذا العمل أنه لا يكتفي بوصف الظواهر أو الأحداث، بل يسعى إلى تحليلها وتفسيرها، والذهاب أبعد من ذلك لاتخاذ موقف واضح منها بجرأة ومسؤولية. فالكتاب ليس مجرد تجميع لنصوص منشورة، بل شهادة فكرية على زمن عاصف يُعيد ترتيب الأسئلة ويقدم مواقف مسؤولة لا تخشى الجدل.
يتميز أسلوب الكتاب بالوضوح والسلاسة، حيث يتجنب المؤلف الإثقال على القارئ بالزخرفة اللغوية أو الاستعراض البلاغي، ويخاطبه كما هو في واقعه وتساؤلاته. وهذه ميزة نادرة في زمننا الحالي، حيث يحرص حمضي على أن يظل النص قريباً من القارئ دون التفريط في عمق التحليل أو قوة الموقف.
تبدأ المقالات غالباً بتأصيل للمسألة المطروحة من زاوية غير متوقعة أو من حكاية ذاتية، لتُعيد ربطها بسياقها المجتمعي أو السياسي، ثم تُقدم رأياً متزناً وأسئلة مفتوحة تدعو للتفكير.
رغم النفس النقدي الصارم الذي يسكن العديد من المقالات، تتخلل النصوص روح إيجابية وإصلاحية. فالنقد لا يأتي من موقع عدمي، بل من حرص على البناء وتقدير للمنجز واعتزاز بكل من يضع لبنة في مشروع الإصلاح.
طُبع الكتاب في مطبعة وراقة بلال، ويتزين غلافه بلوحة فنية مُهداة من الفنانة التشكيلية المبدعة نادية الأزرق، ما يضفي عليه لمسة جمالية تكمّل قيمة المضمون.
الكتاب متوفر حالياً بمكتبة الألفية الثالثة وعند الروبيو بشارع محمد الخامس في الرباط.
